ضايقه أن يُعاكس زميله إحدى الزميلات بالمدرسة ، ولما عاتبه لطمه على وجهه فنشب شجار فضه الزملاء بإحدى مدارس الثانوى بقرية العمار بالقليوبية . هدأت ثورة الزميلين ، ولكنه هدوء ما قبل العاصفة، إذ ظلت النار متأججة تحت الرماد ، يمنحها قوة الاشتعال داعى الثأر فى نفسى الزميلين ، فتجددت بينهما معركة، طعن على أثرها الفتى ( الدنجوان ) زميله فى فخذه ، وتركه ينزف حتى مات على مرأى المدرسين الذين أرجأوا مجيء الإسعاف حتى تأتى الشرطة لتحرر محضرا بالحادثة ، دون اكتراث للطالب وهو يموت بالبطيء! هذه الواقعة راح ضحيتها طالب كان بالنسبة لأسرته الأمل الذى تحقق بعد طول عناء، خاصة أنه جاء بعد أربع بنات، ولكنه سرعان ما ذهب، تاركا وراءه قلوبا مكلومة، ونفوسا مُلتاعة، ونارا مستعرة بين عائلتى القاتل والمقتول. العجيب أن هذه المعركة نشبت داخل أسوار المدرسة ، فما كان من المدرسين إلا أن قاموا بطردهما كنوع من العقاب ، ظنا أنهم يحسنون صنعا ؛ فإذا بهم يسيئون أشد الإساءة ، لأنهم بهذا التصرف جعلوا الغريمين فى مواجهة عنيفة، كان الموت فيها قارب فرار المقتول من يد القاتل. والسؤال :هل ما فعله المدرسون هو الحل الأمثل للمشكلة؟ بالطبع ( لا )، إذ كانت تقتضى الحكمة أن يفضوا النزاع داخل أسوار المدرسة ، ويعقدوا صلحا بين الزميلين ، بدلا من دفعهما وبقوة نحو القتل ، الذى ربما ونسأل الله السلامة يشعل نار الثأر بين العائلتين. ولم تخمد هذه الفتنة بوجهها القبيح ، حتى أطلت علينا فتنة أشد قبحا، وهى مجزرة أسوان التى خلفت كثيرا من الضحايا والمصابين، وأدخلت الفزع فى قلوب سكان المحافظة المسالمين . والحقيقة أن وراء هذه المجزرة الغريبة عن مجتمعنا المصرى بصفة عامة والشعب الأسوانى بصفة خاصة المعروف بحلمه وكرم ضيافته للسياح الوافدين من شتى البقاع أسبابا كثيرة أهمها بحسب قول بعض أبناء القبيلتين التباطؤ فى احتواء الأزمة، والحالة الاقتصادية المتردية بسبب تعطل السياحة و قلة الدخول ، بالإضافة إلى تأصل روح العصبية المستندة إلى موروث شعبى قديم ، تصير معه حياة المرء بلا قيمة وهو مايعرف بالثأر، والذى كثيرا ما أنتج مسلسلات حزينة لجراحات لم تندمل ، كانت النساء الأرامل، والأطفال اليتم الذين أضحوا بلا أب يرعاهم ويكلؤهم أهم شخوصها. المشكلة ( عويصة ) ، وأكبر من أن تحلها هذه السطور القليلة، ولكن حتى لا نكون كمن ينكأ جرحا ، ويتركه دون علاج ، أرى ضرورة تأصيل الوازع الدينى فى النفوس، عن طريق دور العبادة سواء مسجدا أو كنيسة، فما من دين إلا وحرم القتل وسفك الدماء . وها هو الإسلام آخر الأديان اعتبر القتل من أكبر الكبائر ، وأكد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن دم المسلم أعظم عند الله من هدم الكعبة . ومن الحلول أيضا ضرورة إزالة أسباب الأزمة الاقتصادية فى المجتمع الصعيدى ؛ بإنشاءمصانع للحاصلات الزراعية، وتجديد مصانع قصب السكر ، وتنشيط السياحة ، مما يوفر فرص عمل للشباب. وقبل هذا كله لابد من نزع السلاح المتوافر بكثرة بين أبناء الصعيد، وعقد جلسات عرفية جادة لإزالة الفتن والخلافات، يسبقها تطبيق حد القصاص من القاتل حتى تهدأ نفس المكلوم ويندمل جرحه، وأخيرا على الإعلام بشتى صوره دور كبير فى وأد هذه الفتنة ، باستضافة واستكتاب خبراء فى حل الأزمات ، لإخماد نار الثأر التى إن لم تواجه وفورا فستأكل الأخضر واليابس.
Sabry_elmougy @yahoo.com لمزيد من مقالات صبرى الموجى