فى السابق كان التسول بدائياً فكان الشحاذ يمد يده مكتفياً بقيمة الرغيف أو الدواء معتمداً على ما لديه من قدرات درامية فى تمثيل شخصية الذليل البائس الذى تحالفت عليه مصائب الدهر وتقلباته مضافاً إليها أمراضه أو أمراض عائلته. أما اليوم فإننا أمام أساليب مبتكرة للتسول تواكب آخر ما وصل إليه العالم من تطور، ويبدو أن محترفى التسول يحاولون ألا يتخلفوا عن التطور المهنى فنجدهم يبذلون كل ما فى وسعهم لجعل التسول وسيلة للثراء. ففى كثير من الأحياء، تبادر إحدى الحسناوات فى الشارع وبأسلوب مهذب وراق تطلب من أحد المارة لتستقل «الباص» إلى مسكنها بعد أن فقدت حافظة نقودها فيخجل منها ويعطيها ما طلبت، خاصة أنها ترتدى ملابس غالية الثمن، ولا تكتفى الحسناء بذلك بل تظل تتنقل فى الشوارع طوال النهار وحتى ساعات متأخرة من الليل وينتهى يومها لتعود بنفس السيناريو مع صباح اليوم التالى بخط سير جديد حتى لا تصبح وجها مألوفا للمتصدقين. تائهة فى القاهرة وفى مكان آخر تبادر إحدى السيدات التى يبدو من مظهرها أنها سيدة ريفية بطلب خمس جنيهات من أجل السفر إلى محافظتها البعيدة بعد أن فقدت حافظة نقودها، وأصبحت تائهة وغريبة فى القاهرة، والأمل فى عودتها مرهون بتعاطف المارة معها، خاصة إذا قامت بالحبكة الدرامية وحملت معها طفلا. وأمام المستشفيات والعيادات الخاصة يلجأ الشحاذون إلى وسيلة أخري، حيث يبادر أحد المتسولين أهالى المرضى وأصدقائهم ، بروشتات علاج وأوراق تحاليل بأى أسماء ويدعون أن عزيزا لديهم داخل المستشفى ويحتاج إلى مصاريف وعلاج وتغذية وأنه عاجز مادياً، فيتعاطف الكثير معها ابتفاء دعوة بحمايتهم وأولادهم من الأمراض. ومن أساليب التسول المبتكرة، أن يلجأ أحد المتسولين إلى حمل كرتونة بيض مكسور، ويفترش الأرض وحوله قشر البيض ليستعطف المارة مدعيا أنه لا يملك حق كرتونة البيض التى ذهب لشرائها فى إطار عمله، وأن صاحبها لن يرحمه إذا عاد بها مكسورة فيتعاطف معه الكثيرون ويعطونه ثمنها. مساعدة على الابداع يقول د.أحمد يحيى عبد الحميد أستاذ علم الاجتماع جامعة السويس إن وقوع البعض ضحية المتسولين غير المحتاجين والذين انتشروا مؤخرا بغرض البحث عن الثراء يرجع لغياب الوعى لدى بعض الناس الذين ينخدعون فمن يطلب منهم المال والذى كان لابد وأن يوجه للجمعيات الأهلية التى تعمل وفق القوانين وتقوم باستثمار أموال الزكاة والتبرع بها فى مكانها الصحيح بإقامة مشروعات خيرية تدر ربحا على الفئات ذات الدخل البسيط فى المجتمع، فلابد من محاربة من يجلسون فى الطرقات للشحاذة بأساليب غير آدمية حتى يتمكنوا من كسب عطف المواطنين ويقوموا باستغلالهم أسوأ استغلال، وهذا الدور يقع علينا جميعاً بالامتناع عن منحهم المال الذى يتربحون من ورائه وأن نساعد المتسولين الصغار منهم فى الإيداع بدور الرعاية وتعليم الكبار الحرف المهنية التى تبعدهم عن هذا الطريق غير السوى فى جمع المال بدلا من العمل الجاد فى كسبه بطريقة إنسانية شريفة، مع دراسة الوضع الإنسانى لكل متسول لأن من المؤكد أن هناك من لديه ظروف اجتماعية دفعته لذلك. ويضيف إنه لابد من مساعدة رجال الشرطة للقضاء على هذه الظاهرة وعدم مطالبتهم بترك المتسولين وشأنهم عند القبض عليهم لأن هذا الموقف السلبى يشجع المتسولين على التمادى فى هذا العمل الذى يحقق لهم أرباحاً طائلة كل حسب قدرته وتبدأ من مائة وحتى ألفى جنيه فى اليوم الواحد . «الحق فى التسول» ويرجع د.محمد سمير عبد الفتاح أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة عين شمس ظاهرة التسول إلى أسباب عدة: من بينها الفقر والبطالة وتفاقم ظاهرة أولاد الشوارع التى تعد قنبلة موقوتة بالإضافة إلى أن الحقد الاجتماعى يلعب دوراً كبيراً فى تفاقم هذه الظاهرة ، لأن المتسول يعتقد خطأ أنه يأخذ حقه من المواطنين الذين سلبوه حقه فى العيش الكريم ويعتبر التسول أفضل السبل لأخذ هذا الحق بدلا من اللجوء إلى السرقة أو النصب. ولعلاج هذه الظاهرة ينصح بتنمية الطفولة ورعايتها وصون حقوقها, والدفاع عنها, باعتبار ذلك أحد مكونات التنمية الاجتماعية, ويسهم فيها مجموعة من الناس من منطلق التكافل الاجتماعي, يقابل ذلك المسئولية الملقاة على عاتق الحكومة من خلال تأمين الحماية اللازمة للأسرة من عوامل الضعف والفقر الذى يخلفه تدنى الحياة الاجتماعية والتى تدفعه للتسول.