"من يظن أن الحوثيين بالقوة العددية أوالتسليحية أوالشعبية التى تمكنهم من التهام العاصمة صنعاء بين غمضة عين وانتباهتها كما حدث الشهر الماضى هو واهم ،ولا يعرف شيئا عن موازين القوة فى اليمن سواءعلى مستوى القبائل أوالجيش أوالأحزاب السياسية والجمعيات الدينية " . كانت تلك خلاصة رؤية عينات من العامة والمثقفين اليمنيين - التقت بهم " الأهرام " فى صنعاء - يؤكدون من خلالها أن بيت الحوثيين أوهى من بيت العنكبوت ، وما كان لهم أن يظهروا فى صورة أقرب للجيش التترى بزعامته الجنكيزخانية أوالهولاكية التى لا تمر على حجر ولا بشر إلا جعلته أثرا بعد عين لولا تضافرعدة أمور داخلية وخارجية كما لمح مرارا – دون أن يصرح – الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى . ف"عفاش"وهو الاسم الذى يعرف به الرئيس السابق على عبد الله صالح - الذى أهين بشدة بعد 33 عاما فى السلطة - قرر الانتقام ممن أرادوا قتله فى مسجد النهدين فى قصرالرئاسة ، فأحرقوا وجهه ويديه وأجزاء من جسده فى تفجير ضخم باستخدام الأنفاق ، ثم أطاحوا به فى ثورة شعبية تخلى فيها عنه حلفاؤه السابقون ومن رفعهم فوق الرؤوس دون أن يذرفوا عليه دمعة واحدة. ونجح صالح عن طريق قادة فى الجيش أغدق عليهم الأموال قبل أن يجعلهم يتعدون غيرهم فى الترقيات أن يلعب الجيش فى أغلب الأحيان دور المتفرج على ما يحدث من قضم حوثى لمؤسسات ومفاصل العاصمة ، بل وصل الأمر أن يقوم الجيش – وسط ذهول المراقبين- بتسليم بعض المؤسسات للحوثيين، وهو ما دفع المتشككين لإتهام وزير الدفاع محمد ناصر بأنه حوثى أوعميل لعلى عبد الله صالح، أوأن الحوثيين نجحوا فى تجنيد الرجل ، ووصل الأمر بكاتبة يمنية منتقبة – كعادة كل نساء اليمن تقريبا- أن قالت " من الأجدر بوزير الدفاع أن يرتدى نقابى " . وأغرب وأعجب ما حدث ويحدث أن حزب التجمع اليمنى للإصلاح التابع للإخوان المسلمين كان يشتبك لفظيا وظاهريا مع الحوثيين فى حروب أشبه بحروب طواحين الهواء هدفها التعتيم على حقيقة أن الإخوان أرادوا رد الصاع صاعين لدولة اقليمية كبيرة وقفت ضد الجماعة الأم وأذرعها فى دول عربية أخرى ، فتركوا أبواب حصون صنعاء مفتوحة أمام زحف الحوثيين ليكونوا خنجرا فى خاصرة تلك الدولة . ولكى يبتلع الناس الطعم وحتى لا ينكشف السحر جرى تسخين المعارك الوهمية والخلافات التى تسطرها الأقلام وتنتجها استديوهات الفضائيات ، ولا مانع أن يهاجم الحوثيون بعض مقرات الحزب أومنازل بعض قادته على أن يتم حل المشكلة فيما بعد عن طريق وساطات قبلية مزعومة أوتدخلات من هنا أوهناك. ثم أن قبيلة حاشد الأكثر نفوذا ومالا وتأثيرا فى اليمن – وإن لم تكن الأكثر عددا – لم ترد أن تكون طرفا فى حروب قد لا تنتهى مع قبيلة " بكيل " المنافس التقليدى لها بعد أن تحالفت بكيل التى خسرت من الاطاحة بصالح الذى قربها منه قبل تخليه عن السلطة فى فبراير 2012بعد أن اشتدت الجفوة بينه من جهة وبين الإخوان وحلفائهم من زعماء قبيلة حاشد من جهة أخرى . وبقى العنصر الأهم فى المعادلة وهو الشعب الذى بدا غير مكترث ، يمارس حياته كما اعتاد ، يصحو مبكرا وينام مبكرا ، ولا يتخلى أبدا عن العادة التى تحولت إلى إدمان ، ألا وهى تخزين القات الذى تطورت ممارسته لتشمل اليوم كله بعد أن كان مخصوصا بأوقات معينة ، وبعد أن ارتبطت صورة اليمنى باللباس التقليدى والخنجر فى الجنبية والفم الذى انتفخ أحد شدقيه من تخزين القات . ولن يعجز المراقب عن معرفة سبب حالة عدم المبالاة تلك وسط لهيب الأحداث السياسية والعسكرية ، فحكم صالح المديد ضرب فيه الفساد كل أطناب الدولة ،ولم يغير كثيرا فى حياة الناس الاقتصادية أوالتعليمية أوالصحية، اللهم إلا انجازات يسمعون عنها ليل نهار ولا يرونها إلا فى الأحلام والخيالات المصاحبة لتخزين القات . ومحاولة نفى كون الحالة السياسية اليمنية مرهونة منذ عقود بكلمة المحيط الاقليمى فى بلد هو من أفقر بلاد الدنيا ، ومحاولة نفى دعم إيران للحوثيين وتحولهم إلى ذراع وأداة تتكلم وتصمت بأمرها يمثلان محاولة لحجب نور الشمس بغربال ، وهو نفس المنطق الذى ينطبق على محاولة إنكار حالة الحرب المكتومة بين أطراف خليجية وإيران ، وهى حرب انتقلت من غرف الفضائيات ومكاتب الصحف إلى تحريك أدوات ومليشيات بدأت الاشتباك الدامى فى العراق ثم سوريا لتظهر فى شكل أكثر فجاجة وأشد وضوحا فى اليمن . فالأراضى التى تقتطع من إيران أوبالأحرى أتباع ايران فى العراقوسوريا يجرى تعويضها فى اليمن ،وكلما تزايدت خسائر إيران فى العراقوسوريا ، واشتدت اللكمات التى بدأ حسن نصر الله يتوجع منها فى لبنان ، كلما تم دفع الحوثيين لقضم مزيد من أراضى اليمن وصولا إلى الهدف الاستراتيجى الكبير المتمثل فى مضيق باب المندب الذى يربط البحر الأحمر والبحر المتوسط بالمحيط الهندى . ومع بروز الخلاف الإيرانى – التركى بشأن سوريا والموقف من بشار الأسد إلى العلن ،وتخلى طهران عن أسلوب "التقية " مع حكومة أردوغان والتحول إلى النقد الحاد والقاسي، تبدو الأزمة اليمنية مؤجلة الحل إلى فترات ستطول . يدعم هذا الانطباع أن المواقف الإيرانية -التى بدأت منذ ظهور تنظيم الدولة الاسلامية وما حققه من انتصارات مدوية فى العراقوسوريا – تتخلى عن لغة الدبلوماسية التى تخفى وراءها ما تخفى لتصبح أكثر تحديدا وتعبيرا عن الواقع تجاه الدول الخليجية وتركيا . واللغة الايرانية الجديدة توحى بأن الهلال الشيعى الذى تحدث عنه العاهل الأردنى الملك عبد الله أصبح يواجه تكتلات سنية لها درع وسيف تحدث فى النفوس " الصدمة والرعب " بعد أن كان كل ما تجيده هو الشجب والاستنكار ومناشدات- تثير السخرية والرثاء - علتها الأتربة والرمال إلى الأممالمتحدة ومجلس الأمن والقوى الغربية ومنظمات المجتمع الدولى . يضاف إلى ما سبق أن تلك التكتلات تتمتع بحاضنة شعبية عانت منذ الغزو الأمريكى للعراق من اضطهاد طائفى لا يستطيع كل دجالى الدنيا أن يفلحوا فى الدفاع عنه أوتبريره .