هناك نوع من الإجماع بين المؤرخين على اعتبار المنطقة الجبلية الواقعة في شمال الشرق الأوسط بمحاذاة جبال زاكروس وجبال طوروس, هي المنطقة التي سكنت فيها الشعوب التي يحتمل كونها أسلاف للأكراد منذ القدم. ويطلق الأكراد تسمية كردستان على هذه المنطقة. وهذه المنطقة هي عبارة عن أجزاء من شمال العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سورياوجنوب شرق تركيا. ويتواجد الأكراد بالإضافة إلى هذه المناطق بأعداد قليلة في جنوب غرب أرمينيا وبعض مناطق أذربيجان ولبنان. ورغم هذا يعتبر الأكراد من إحدى أكبر القوميات التي لا تملك دولة مستقلة أو كياناً سياسياً موحداً معترفاً به عالمياً رغم ان عددهم يتراوح ما بين 20 الي 25 مليون نسمة. هذا ومع تراجع سيطرة الحكومة المركزية في بغداد على البلاد، بات بإمكان الأكراد أن يدفعوا بقوة أكبر نحو إقامة دولة كردية مستقلة. فلقد أظهرت حكومة إقليم كردستان نجاحاً أكبر من الحكومة العراقية في التصدّي لتنظيم داعش. فالقوات الكردية التي يفوق عددها المائة ألف، تبدو أفضل تجهيزاً وتدريباً. وهكذا شكّلت السيطرة مؤخراً على كركوك وطرد داعش منها، فرصة ذهبية للأكراد من أجل استعادة التحكّم بالوصول إلى موارد نفطية مهمة، ووضع حد للخلاف المستمر منذ سنوات مع الحكومة المركزية حول تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي التي تنص على تطبيع الأوضاع في كركوك التي ينتمي سكّانها إلى إثنيات متعددة. من شأن ضم هذه المنطقة الغنية بالنفط إلى إقليم كردستان الغني أصلاً بموارده أن يجعل حكومة الإقليم في موقع أقوى لدى إعلان الاستقلال. وفي خطوة لافتة ووسط تأييد من جانب اسرائيل, صرحت الحكومة التركية بأنها ستؤيد قيام دولة كردية مستقلة شمال العراق. ولعل وراء ذلك سببان جوهريان الأول يتعلق بالإستراتيجية التركية الإقليمية, فقيام دولة كردية سيسهم في إضعاف النفوذ الإيراني داخل العراق وإقليم كردستان بشكل خاص. أما السبب الثاني, فيعود الي تطورات الوضع السوري حيث تعتقد حكومة اردوغان ان قيام دولة كردية قد يمثل امراً حيوياً لاحتواء المشكلة الكردية الإقليمية التي ستتصاعد بعد انهيار نظام الأسد, كما ان إقليم كردستان المحاذي لمنطقة غرب كردستان في مناطق القامشلي والحسكة السورية, سيفرضان نفسيهما كموقع جيو-استراتيجي مهم في سياق الأمن القومي التركي, وبالتالي يمكن لأنقرة ان تجد في الدولة الكردية المستقلة شمال العراق منطقة استقطاب لمشكلة الأكراد داخل تركيا, ما يترتب عليه إنهاء العمل المسلح لحزب "العمال الكردستاني" برئاسة عبد الله اوجلان والذي كلف الدولة التركية الكثير من الأعباء الاقتصادية والعسكرية والأمنية. [email protected] لمزيد من مقالات رانيا حفنى