قد يكون مصطلح خزانة المعرفة هو أقرب المصطلحات إلى المصطلح الانجليزى Think Tank وإذا كنا بصدد خزانة المعرفة بالنسبة للشعب المصرى فقط أو بالنسبة للأمة العربية كلها فإننا سنجد تراكماً معرفياً ما أظن أن حضارة بشرية غير الحضارة العربية من بغداد إلى الرباط مروراً بالقاهرة وتونس والجزائر فيها هذا القدر من التنوع الذى يعبر عن العقل الجمعى. ولنكتف فى مقال اليوم بقطر عربى واحد قد يكون هو الوحيد من أقطار العروبة الذى مازال صامداً محافظاً على هوية الدولة ومقوماتها ذلك هو الشعب المصرى بعد ثورة 30 يونيه 2013. وقد بدأ التفكير فى خزانة المعرفة بالنسبة لمصر فى عام ألف وتسعمائة وأربعة وسبعون عندما أنشئت المجالس القومية المتخصصة وشرفت بأن أكون عضواً فى المجلس القومى للتعليم الذى كان يضم نخبة من المتخصصين فى مسائل التعليم وقد أطلقتُ على تلك المجالس آنذاك عقل مصر الكبير. وما أظن أن هناك مشكلة من مشاكل التعليم سواء فى ذلك التعليم الجامعى أو التعليم الثانوى أو التعليم الأزهرى أو التعليم الخاص لم تحظ بدراسة وافية من ذلك المجلس أو من أحد لجانه. تذكرت ذلك كله اليوم عندما تلقيت اليوم دعوة بمناسبة بدء أعمال الدورة الثانية والأربعين للمجلس القومى للتعليم والمجلس العلمى والتكنولوجيا. وكنا فى غابر الأيام نجتمع فى مكان بالقرب من الأمانة العامة للجامعة العربية وكان قطع الطريق من أقصى القاهرة إلى أقصاها لا يستغرق وقتاً طويلاً . وفى هذه الأيام تقع اجتماعات المجالس القومية المتخصصة أمام حدائق الميرلاند بروكسى بمصر الجديدة . فى هذه الأيام التى يستغرق فيها الانتقال من مكان إلى مكان وقتاً دونه وقت السفر من القاهرة إلى لبنان أو الأردن . وكان يشرفنى أننى كنت من أصغر أعضاء المجلس فى أول نشأته وكنت أفيض حماساً وحباً للعلم وكان الزملاء الكبار من أعضاء المجلس يشجعوننى عندما كنت أتكلم متحمساً بقولهم إنك تذكرنا بأيام الشباب . وفى هذه الأيام التى تنطلق فيها مصر انطلاقة جديدة جادة بعد ثورتين أزاح الشعب فيهما طغيانين وبدء حياة جديدة تخطو خطوات واثقة إلى الأمام . فى هذه الأيام طُرحت عدة أفكار ورؤى لإنشاء ما يشبه الThink Tank يعمل مستشاراً لرئيس الدولة وللسلطة التنفيذية وكل من يطلب منه المشورة من السلطات العامة وبطبيعة الحال فإن هذا الكيان رأيه استشارى وغير ملزم ولكن هذا الرأى الاستشارى لابد وأن يؤخذ مأخذ الجد وأن يناقش من كل الزوايا بجدية. وقد طرح الأستاذ هيكل فى لقائه التاريخى بالأهرام ما يشبه هذه الفكرة. كذلك فقد تشكل مجلس من خيرة علماء مصر منهم د. مجدى يعقوب وفاروق الباز وزويل وغيرهم من كبار علماء مصر ليكون قريباً من السيد رئيس الجمهورية عندما يطلب منه الرأى والمشورة . إن مصر بدأت تأخذ أمورها مأخذ الجد وبدأت تدرك أن القوة والتقدم الحقيقيين فى هذا العصر يقاسان بما تملكه بلد من البلاد من الثروة العلمية . وأنا واثق أننا على مستوى الأفراد نملك ثروة علمية كبيرة ولكن المشكلة هى كيف يعمل هؤلاء باعتبارهم فريقاً متناغماً؟. عندئذ سيتحقق لمصر عقلها الكبير وستخطو مصر خطوات حقيقية نحو الأسلوب العلمى فى كل مناحى الحياة . وليت بداية العمل تكون بتجميع ما تم من دراسات سابقة . من عيوبنا الكبرى أننا نبدأ دائماً من الصفر وننسى ما تراكم فى حياتنا من علم ومعرفة . وأنا أعرف أن أعمال المجالس القومية المتخصصة موجودة ومحفوظة وأنه يمكن أن تكون مصدراً كبيراً ثرياً نبدأ منه وننطلق من عنده . حفظ الله مصر ورعاها ووفق قيادتها وشعبها. لمزيد من مقالات د. يحيى الجمل