«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د‏.‏ مصطفي كامل السيد‏:‏ ليس من مصلحتنا عداوة أمريكا

في كل ناحية بأرض الكنانة نمت غابات شوك‏,‏ رواها الظلم بالدماء‏,‏ وترعرعت بالفساد والإهمال‏,‏ وأينعت ثمارها السامة في أجساد البشر والحجر‏,وقبل وقت القطاف بقليل انتفض المصريون بحثا عن الخلاص والنهوض. لكن حالة التوهان المستمرة, والممزوجة برائحة الدم من كل صوب, دفعتنا إلي أن نلقي أوراقنا علي طاولة الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة والأمريكية, والمحاضر الدولي, مدير مركز شركاء التنمية, علنا نجد عنده رياح الأمل, نرخي لها أشرعة وطن مضطرب, يبحر في محيط هادر, أو نجد حلا لتناقضات تلفنا تشبه المآسي الإغريقية, الكل يراها ولا يستطيع تفاديها..فهو المفكر الذي جعل شطآن روحه مرساة لسفينة النبوغ والاجتهاد, وأثري مؤلفاته بالتفكير الواعي والنقد البناء والتحليل الدقيق..لكن المفاجأة أن المفكر كان قلقا أو متشائما, وهو يقدم لنا وصفة متفائلة للخروج من المأزق الحالي, وقد لا ترضي سيدي القارئ عن بعض عناصر الوصفة, لكنك لا تملك إلا احترام مساحة الاختلاف, مع بنودها الواردة بهذا الحوار, والتي تنبني علي الوعي بالمسئولية واستثمار الطاقات وتقدير الإبداعات, بقلب ذكي وعقل راجح.
يسعي المصريون إلي كتابة فصل الختام في المواجهة مع الاستبداد والفساد والتخلف, فكيف تستشرف المستقبل في أرض الكنانة, وسط مشهد غاضب وأصوات ساخطة لاتدري ما تريد ؟
- أشعر بحزن وتشاؤم, فقد احتفل العالم كله بالثورة المصرية من شرقه إلي غربه, مرورا بكل العواصم الدولية والإقليمية والعربية, وتركت صيحة( الشعب يريد إسقاط النظام) صداها المدوي في كل مكان, لكن الآمال الكبري التي بعثتها ثورة25 يناير لم يتحقق منها الكثير علي أرض الواقع, كان شعارهاعيش. حرية. عدالة اجتماعية, ووفقا للتقارير الحكومية, يظل20 مليون مصري تحت خط الفقر, والحرية التي تطلع إليها المصريون تتهددها أفكار متعصبة وقيود مغالية تزحف إلي ساحات الفن والثقافة والإعلام وغيرها, محاولة تكميم الأفواه وغلق نوافذ الحرية, أما العدالة الاجتماعية فلم يتحقق منها شيء, لذا لاأشعر بالتفاؤل تجاه مسارات الثورة في المستقبل.
ألا يعد هذا إنكارا للعديد من الإنجازات, ألم نخط خطوة علي طريق الديمقراطية وتسليم السلطة, ببرلمان منتخب بإرادة شعبية حقيقية للمرة الأولي؟
- الانتخابات الأخيرة لم تفرز قوي سياسية تؤمن بمدنية الدولة- ولن أتحدث هنا عن موضوع الانتخابات والدستور أيهما أسبق,لأننا تجاوزناه- ويضاعف من المخاوف أن القوي الإسلامية لا تملك( برنامجا إسلاميا), لا في الاقتصاد ولا في السياسة(الأصعب), بينما تحاول تطبيق أفكار شكلية, حتي تظهر أنها أقرب من غيرها للدين, خاصة أسلمة مجالي التعليم والإعلام(الأسهل), وهنا الخشية من وقوع وزارة التعليم في أيدي عناصر متطرفة ليس لديها رؤية, خصوصا أن أمل مصر في التقدم مرهون بتقديم تعليم مستنير دون تعصب, وهذا لن يكون بغير ضمان الحريات العامة والخاصة.. ولقد درست برنامجي حزب الحرية والعدالة الإخواني, والنور السلفي, فلم أجد اقتصادا أو سياسة( إسلاميين), وتخرج علينا أحيانا أفكار غريبة مثل الدعوة إلي خلافة إسلامية..
أقاطعه: ولماذا لا..؟
- يجيبني,مقاطعا: هذا ليس اعتراضا علي الخلافة الراشدة في عهدها الأول, لكني أعترض علي هذه الفكرة( الآن), إذ لابد أن تشمل الدول العربية والإسلامية, وهو ما لاتقبله تلك الشعوب, ولا أظن أنه في صالحها اليوم, فقد تخطاها الزمن, ومن أوجه عبقرية الإسلام أنه ترك للبشر حرية اختيار نظام الحكم, وغيره من شئون الدنيا بما لا يخرج عن تعاليم الدين, أنتم أعلم بأمور دنياكم.. وكل ذلك يصنع مناخا يتنافي مع أهداف الثورة التي أرادت القفز بمصر إلي مصاف الدول المتقدمة, بحرية وكرامة وعدالة.
البعض يعتبر هذا الرأي تحاملا علي القوي السياسية ذات التوجه الإسلامي, وأنهم يستحقون فرصة مثل غيرهم..
- نعم يستحقون الفرصة, وكلامي مجرد ملاحظة نابعة من غياب برنامج حقيقي إسلامي من جانب أي من هذه القوي, سواء الإخوان أو السلفيون أو الجماعة الإسلامية, فليس فيما قدمته من برامج أي جديد يذكر, ولا يحمل رؤية إسلامية, ما سمعناه أن هناك حالة تنافس علي وزارة التعليم من جانب النور والجماعة الإسلامية, وربما يكون الفصل بين البنين والبنات, ومنع الحفلات ومصادرة الكتب.. ما يتم الحديث عنه, لكننا لم نسمع عن تشجيع الفكر النقدي والعلوم والفلسفة الإسلامية وما ينسجم مع التقدم من أفكار, مع ملاحظة أن( تديين التعليم) في بلاد أخري لم ينتج مستوي رفيعا من الخريجين, ودولتنا محدودة المصادر والإمكانات لا تحتمل مزيدا من التجارب غير المدروسة.
لكن الشعب منح الإسلاميين غالبية مقاعد برلمان الثورة؟
- ما أفرزته الانتخابات هو حاصل ما بذلته القوي السياسية من جهود, والقوي الإسلامية لها وجود تاريخي ممتد, وأنشطة لا يمكن إنكارها, بالإضافة إلي المناخ الفكري العام وحداثة نشأة الأحزاب المدنية الجديدة, كما أن أجهزة الدولة المختلفة ومن بينها القضاء لم تعد نفسها لمهام مطلوبة في ظل نظام تعددي حزبي وهو ما لم يتم, وتعارض مع روح الحياد, وهناك الجو العالمي المشجع, مثل انهيار الاشتراكية وأزمة الرأسمالية.
دكتور وأنت أستاذ علوم سياسية ألا يعد ما جري تعبيرا عن حقيقة رسوخ التدين في نفوس المصريين؟
- نحن شعب متدين بطبيعته, لكن هناك فرقا بين أن نكون مسلمين, وأن يكون لدينا تصور خاص للإسلام, خذ مثلا اللغط المقلق حول قضية حرية المرأة و النقاب والعمل أو السياحة أو احتكار الإيمان... إلخ, ومن وجهة نظري: الدين الصحيح هو في سلوك البشر, حتي النظام السياسي ووضع الشريعة الإسلامية فيه كمصدر للتشريع, والديمقراطية..وجهات النظر متباينة ومتعددة بين المفكرين الإسلاميين أنفسهم, حول ماهية النظام السياسي الإسلامي, مثلا, البعض اعتبر الديمقراطية الغربية كفرا, في حين ذهب الدكتور كمال أبوالمجد إلي أنها صورة من صور الشوري القديمة.. نحن ننسي أن الرسول, صلي الله عليه وسلم, قال إننا أدري بأمور دنيانا.. أي أحرار في اختيار النظام الذي يحكمنا دون خروج عن ثوابت الدين, وقد استطاع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إنجاز نجاح كبير, من خلال قبوله بالتراثين: الإسلامي والأوروبي, دون عقد أو تفريط. أما الاقتصاد الإسلامي فليس لدينا معرفة به تتجاوز أكثر من الخلاف حول سعر الفائدة ومشروعيته, مع أنه قاعدة أساسية في النظام الرأسمالي العالمي, ولا جدوي من أي مشروع دون فائدة, في أمريكا الفائدة اليومصفر لتشجيع الاستثمار, أي أن الفائدة هي أداة تملكها المصارف المركزية لإدارة الاقتصاد علي نحو يكفل الرخاء, والنظام الرأسمالي نفسه يحارب الاحتكار, خذ علي سبيل المثال محاربة واشنطن للممارسات الاحتكارية لشركة مايكروسوفت العملاقة..
ذكر الأستاذ هيكل, أخيرا, أن ما يواجهنا من أوضاع لا تكفي لحلها انتخابات ولا مجلس أعلي ولا مليونيات ولا دستور ولا رئيس منتخب,فأين السلامة في طريق معبأ بالمخاطر ؟
- التحديات ضخمة والعواصف عاتية, ولا أجد بداية لطريق السلامة وحل مشكلاتنا سوي التوافق بين القوي الأساسية في مصر: المجلس الأعلي للقوات المسلحة والأحزاب الدينية وغير الدينية, والفعاليات الثورية, ثم تحدد تلك القوي معالم النظام السياسي والاقتصادي الذي ستسير عليه مصر, وفتح الباب واسعا للمصريين من ذوي الخبرة والكفاءة, في العلم أو الصناعة والاقتصاد, مثل أحمد زويل ومصطفي السيد وآخرين, لوضع برنامج للنهضة..ثانيا: إصلاح جهاز الدولة المصرية, من حيث الكفاءة والرشد وظروف العمل الملائمة والرواتب وطريقة صنع القرار, ولست معجبا بإسرائيل كدولة, لكن في كل وزارة هناك مستشار علمي يؤخذ برأيه..عندنا القرار فردي, الرئيس الملهم الموجود علي كل مستوي, وتوجد طريقة أفضل تقوم علي المعرفة والتجربة والتشاور والإفادة من الأخطاء, وأولي أجهزة الدولة بأسبقية الإصلاح هو الشرطة, لتوفير الأمن, من خلال رؤية جديدة لمهام الأمن تقوم علي احترام حقوق الإنسان. ثم تعظيم الدروس المستفادة من خبرات الدول المتقدمة وفتح الخيال لتحقيق نهضة اقتصادية طال انتظارها.
هل نعاني حاليا أزمة هوية ملتبسة؟
- لا أزمة في الهوية ولا في تدين المصريين, لأننا شعب متدين وهويته متجذرة, لكن النسيج الوطني يمر بأزمة, لأن بعضنا لا يعترف بفكرة المواطنة التي تعني أن كل من يعيش علي أرض مصر يتمتع بحقوق متساوية, بغض البصر عن أي انتماء عرقي أو ديني أو فكري.. في عشرينيات القرن الماضي أصدر كاتب مصري كتاب لماذا أنا ملحد, بحرية وفي جو من النقاش العلمي, اليوم مسلمون يعانون مشكلات, لأن مسلمين آخرين يرون أنهم أكثر منهم إسلاما, أما المسيحيون فيتعرضون لمشكلات أكبر من ذلك, والوقوف أمامها صامتين تمزيق لنسيج الوطن ولحمته..
أسرع إلي مقاطعته: أليس هذا برهانا علي فشل النخبة المثقفة, وانكشاف لعبة( التمكين المتبادل) أو(شيلني واشيلك) بينها وبين السلطة, حتي وصلت الأمور إلي ما آلت إليه ؟!
- لن أدافع عن المثقفين, فعلاقة المثقف بالسلطة تحتمل مجالا أوسع, لكن دعني أتحدث عن نوع من المثقفين يسمي المثقف العضوي, وهو رجل الدين الإسلامي أو المسيحي وسط الجماهير-لا أتحدث عن نجوم الفضائيات والإعلام- وهو ذو تأثير قوي مباشر, لاسيما في البيئات الفقيرة وهذا ما يصنع الدين الشعبوي, ولا تنس أننا نعيش في مجتمع40% من سكانه أميون, أردت أن أقول إن المجتمع الناهض لا يعرف التعصب الذي يظهر في أوقات التخلف والانحطاط, مثل الهجوم علي الكنائس, وقد شاركت بعض أجهزة الدولة في ذلك كالداخلية, تذكر أنه علي امتداد18 يوما الأولي من عمر الثورة المصرية, وفي ظل غياب كامل للشرطة, لم يتعرض مسجد أو كنيسة أو حتي المعبد اليهودي في وسط البلد لأي عدوان, ولو بطوبة, الدولة تتحمل المسئولية الأولي, المثقف في مصر ربما يمثل قوة, لكن فعالية الدولة أقوي, وعليها أن تعطي المثل في صيانة النسيج الوطني وأن تجاهر بذلك, وتتصدي لمحاولات انتهاكه, قبل يوليو52 وفي عهد عبدالناصر كانت الوحدة الوطنية مصونة, وبدأت الفرقة في عهد السادات وحاول مبارك رأب الصدع لكنه فشل.
وفي عهد مبارك تراجعت معادلة المثقف والسلطة, لمصلحة الثروة والسلطة, مما فاقم مشكلات الوطن والمواطن.
- إحدي النتائج الإيجابية لثورة يناير هي فك الروابط الوثيقة بين السلطة والثروة, عندما كان بعض رجال الأعمال علي قمة هرم الحزب الحاكم وتولوا مناصب وزارية تتقاطع مع أعمالهم الخاصة. وصار الباب مفتوحا أمام رأسمالية وطنية حقيقية تعتمد علي ذاتها وإمكاناتها, ولابد من التذكير بأن الصلة بين الثروة والسلطة لا يمكن القضاء عليها, لكن النظم الرأسمالية الرشيدة تضع ضوابط لتأثير الثروة في السلطة, من خلال الرقابة والشفافية والمحاسبة.
* يذهب البعض إلي أن نظام مبارك كان إقطاعيا احتكاريا, لا رأسماليا.
- سعي ذاك النظام لإفساح المجال أمام نمو الرأسمالية, والعقبة الوحيدة هي بقاء عدد كبير من شركات القطاع العام دون نقلها إلي القطاع الخاص..
أستوقفه: أية خصخصة يا دكتور,وهي عملية فساد مكشوف وإهدار لمقدرات البلد..
- أوافقك علي وجود الفساد والظلم, لكن هذا طبع الرأسمالية في الحالات المماثلة, في دول أخري..
الفساد والاختلالات بين الدخول و الطبقات أبرز أسباب ثورة يناير..
- في النظام الرأسمالي يتم توجيه الاقتصاد من خلال الخدمات الاجتماعية لتخفيف حدة الأمر, وبرغم ذلك فإن الليبرالية الجديدة علي يد ثاتشر وريجان كشفت عن مساوئها واضطرت لمراجعة مقولاتها, وهناك وجه آخر للرأسمالية الرشيدة يبرز فيه دور الدولة, فالتعليم مجاني في فرنسا, ويكاد يكون مجانيا في ألمانيا, وهناك إعانات بطالة في غيرهما, أو ما يعرف بالاشتراكية الديمقراطية في الدول الاسكندنافية وهكذا, وعلي الرغم من أنني اشتراكي وأؤمن أن الاشتراكية أفضل كثيرا مما قدمه النموذج السوفيتي السابق, فلا أظن أن الاشتراكية بديل مطروح, نحتاج دولة رأسمالية رشيدة تحارب الفقر وتتيح الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وتأمينات ومرافق, وتراعي العدالة الاجتماعية, ليس فقط بدافع الشفقة والرحمة, لكن لتحقيق تنمية إنسانية صحيحة, البشر هم الأساس, ومن خلال رفع مستواهم وضمان الحريات الأساسية يتم إنجاز التقدم.
الاقتصاد المصري يعاني بشدة ومع أنه أساس المشكلة والحل, فإنه لا يحظي بالاهتمام الذي يستحق في ظل التراجع الحاد الذي يعتري مؤشراته.
- أزمات الاقتصاد المصري موجودة من قبل الثورة, وبخاصة منذ2008 باتساع الفجوة بين الصادرات والواردات السلعية, وانخفاض الإنتاجية وارتفاع تكلفة العمل برغم انخفاض الأجور, وعجز الاقتصاد عن توليد وظائف, مما فاقم من البطالة, وانخفضت مستويات النمو, فتدافع المواطنون علي مجالات الاقتصاد غير الرسمي, ومع الثورة والانفلات الأمني زادت حدة المشكلات, فاختنقت السياحة واختفت الاستثمارات الأجنبية.. بالطبع هناك حلول للخروج من المأزق الحالي تقتضي رؤية جديدة.
نحن لا نحتاج إلي إعادة اختراع العجلة فهناك دول سبقتنا علي درب النهوض والنمو في جنوب شرق آسيا وتركيا وأمريكا اللاتينية, فأيها تراه أفضل لنا وأقرب؟
- ما أتمناه بحرارة أن ننظر لجنوب شرق آسيا خاصة النموذج الكوري الجنوبي, فهو قصة نجاح, هو نموذج أصيل أما ماليزيا أو تركيا أو اندونيسيا فهي نماذج غير أصيلة, كانت كوريا في الستينيات متخلفة عن مصر, واستطاعت اليوم أن تصبح لاعبا مهما وكبيرا في الاقتصاد العالمي, ويبدأ الطريق الكوري من الاعتناء الشديد بالتعليم والبحث العلمي, وإيجاد صلات بين صانع المعرفة وصانع القرار, وهناك بيتان للخبرة: معهد التنمية, وهو معهد حكومي, ومعهد الاقتصاد العالمي والتنمية الصناعية, وقد زرت أحدهما واطلعت علي آليات العمل, ودورهما في صنع السياسة الاقتصادية, فالاقتصاد دائما في قمة أولويات صانع القرار الذي تقوم بينه وبين القطاع الخاص علاقات وثيقة, ويتم منحه مزايا تتناسب طرديا مع مقدار ما يحققه هذا القطاع من الخطط التنموية الموضوعة, كالإنتاج والعمالة والتصدير, حتي التمويل البنكي يرتبط بمدي نجاح هذه الشركات في إنجاز الأهداف المتفق عليها, وبالتعليم واستمرار التخطيط منذ عام1961 صارت كوريا من كبار منتجي النسيج, ثم الصلب والسفن والسيارات والإلكترونيات..مستفيدة في البداية من مناخ الحرب الباردة واتساع أسواق المنطقة وانخفاض ميزانية الدفاع بالنظر لعلاقتها الخاصة مع واشنطن, وكان للدعم الأمريكي المادي والتكنولوجي أثره أيضا, كما أن الاقتصاد العالمي كان يمر بمرحلة انتعاش..
تبدو الظروف الكورية غير موجودة بالنسبة لنا لاسيما من ناحية تأزم الاقتصاد العالمي والعلاقات المتوترة مع أمريكا والمناخ الإقليمي العربي غير الودي لفعل الثورة المصرية.
- في هذا الظرف التاريخي الحرج ينبغي أن تحافظ الحكومة المصرية علي علاقات طيبة مع كل دول العالم دون صدام, أو عداوة مع الولايات المتحدة أو غيرها, فأمريكا لاعب رئيسي في السوق العالمية, وهذه السوق قد تكون مصدر تهديد لنا وهي أيضا مصدر للاستثمارات والتكنولوجيا والسياح.. وإذا كانت الصين وروسيا تكافحان للاندماج بها, عبر منظمة التجارة الدولية, فليس لنا مصلحة في الخروج منها, مصر بموقع التابع في الاقتصاد العالمي, في رءوس الأموال والتكنولوجيا والغذاء, نموذج النمو نفسه نقترضه من الصندوق أو البنك الدوليين, أوضاعنا التاريخية فرضت علينا ذلك, السوق الأمريكية مهمة للغاية فهي ثاني شريك لمصر وكذلك الاتحاد الأوروبي, كما لا أفهم سببا للتردد في إقامة علاقات مع إيران إلي الآن..!
ألا تظن أن اللاعب الإسرائيلي المخرب يضع سقفا للعلاقات مع واشنطن, وأن دول الخليج تمانع في علاقاتنا مع إيران؟!
-إدارة أوباما تريد تسوية للنزاع العربي الإسرائيلي, لكن اللوبي الصهيوني يعرقله, ومادامت مصر أعلنت التزامها بمعاهدة السلام مع إسرائيل فلن يكون هناك خلاف أساسي مع واشنطن, وليس من الحكمة التخلي عن المعونة العسكرية(3,1 مليار دولار), لأنها منحة, وعلينا تجنب المعارك غير الضرورية مثل الضجة المثارة حول أنشطة المجتمع المدني, فليس هناك خلاف حول مبدأ التمويل لكن علي طريقة التمويل, يمر عبر بوابة الحكومة المصرية أم لا, أي مسارات التمويل, لا نحتاج إلي كل هذه الضجة المثارة, نحن نحتاج الديمقراطية, وهم يساعدوننا علي ذلك.
ألم تخالف هذه المنظمات القانون وتنتهك السيادة المصرية؟
- بالتأكيد, خالفت وانتهكت, وهذا خطأ ينبغي وقفه دون تعطيل المجتمع المدني, لكن مستشاري التحقيق لم يوضحا لنا الضرر الناجم عن أنشطة هذه المنظمات, بل إن منظمة كونراد أديناور الألمانية كانت تقدم الدعم والمساندة للحكومة المصرية نفسها علي امتداد سنوات, ومن ثم أري ضرورة وقف التحقيقات, ودعوة هذه المنظمات إلي إعادة توفيق أوضاعها وتقنينها وفقا للقانون المصري.
وإيران والخليج..
- ينبغي أن نحقق سيادتنا الوطنية ونقيم علاقات طيبة مع الجميع, ومنهم إيران, هذا يعزز دورنا واقتصادنا والتبادل التجاري وحركة السياحة وغيرها, دول الخليج نفسها لها علاقات مع إيران, وليس من اللائق أن تنتقد مصر في هذا الشأن, بل إن علاقات مصرية إيرانية في هذا الوقت ستعزز مكانة مصر في مواجهة دول الخليج, ولتدرك أن مصر ليست في حالة تبعية في مواجهتها.
ألا يكون ذلك سببا في إحجام دول الخليج عن مساعدة مصر في هذا الوقت العصيب برغم تلال الرساميل الخليجية في الغرب والشرق؟
- لا أدري سببا لذلك, ربما الضغوط الأمريكية أو ظروفنا غير المستقرة, وبعض هذه الدول غير راضية عن التحولات بمصر, وتخشي عدواها, لأن البني السياسية هناك عتيقة..
الدكتور حازم الببلاوي في كتابه أربعة شهور في قفص الحكومة يلمح إلي أن ذلك الإحجام الخليجي مسئولية مصرية بالدرجة الأولي..
- هناك حالة شلل أصابت الديبلوماسية المصرية, وزير الخارجية لا يكاد يتحرك, ولا أجد علامة علي أن الحكومة تبذل جهودا لفتح الجسور والأبواب مع الجميع, وفي كل الاتجاهات.
دكتور مصطفي, بدأت متشائما, في نظرك ماالذي قد يجذبك إلي منطقة التفاؤل..؟!
- وضع دستور توافقي بأسلوب توافقي بين القوي الاجتماعية المختلفة, دون إقصاء أو تغليب وجهة نظر معينة, مع النص علي استقلالية القوات المسلحة مهنيا, وخضوعها أيضا للسلطة المدنية,وأن تقل حدة الاحتجاجات, وانتخاب رئيس يحظي بقبول معظم المصريين, وتشكيل حكومة ائتلافية,ببرنامج واقعي طموح وتوظيف الطاقات في الوطن, للخروج بمصر من أزماتها الراهنة, باختصار نحتاج دولة مدنية عادلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.