رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة. "فازت الطالبة الباكستانية والناشطة الإجتماعية مالالا يوسف زاى ( 17 عاما)، والناشط الهندى فى حقوق الأطفال كايلاش ساتيارثى ( 60عاما)، مناصفة، بجائزة نوبل للسلام لهذا العام 2014". وتبلغ قيمة الجائزة 8 ملايين كرونة سويدية (ما يوازى مليون ومائة ألف دولار). وقد ذهبت الجائزة للفائزين، على الرغم من قوة الأسماء المنافسة لهما. فقد ضمت قائمة المرشحين لجائزة نوبل للسلام هذا العام عددًا أكبر من الترشيحات مقارنة بالسنوات السابقة، حيث بلغ عدد المرشحين رقمًا قياسيًّا وهو 278 ترشيحًا (231 فردا و47 منظمة)، وكان من بين الأسماء المرشحة للجائزة بابا الفاتيكان فرانسيس الأول، والطبيب الكونجولى دينيس موكويدج الذى أدار مستشفى يعالج الآلاف من ضحايا جرائم الاغتصاب الجماعى فى بلاده. وإذا تأملنا نشاط كل فائز والسبب فى إختياره فسنجد أن مالالا يوسف زاي (17 عاما) ناشطة باكستانية فى مجال حقوق التعليم وخاصة للنساء، وقد أطلق متطرفون من طالبان النيران على رأسها داخل أتوبيس مدرستها فى عام 2012 لأنها أصرت على إستكمال تعليمها وعدم الخضوع لأوامر طالبان المتعلقة بحظر تعليم المرأة!! وقد أدى الهجوم عليها وإستغلاله دعائيا من قبل الدول الغربية إلى تحويل الطفلة مالالا من مجرد طالبة إلى "رمز" عالمى لمكافحة حظر تعليم المرأة ومكافحة القهر والظلم والجهل. وعلى مدار العامين الماضيين إنهالت على مالالا المنح والمساعدات الغربية والدولية لعلاجها من الإصابة التى شوهت وجهها وكادت أن تودى بحياتها. كما إنهالت عليها حفلات التكريم والعروض لإلقاء المحاضرات والمشاركة فى المؤتمرات ولعقد المقابلات مع كبار الشخصيات العالمية. وفى سبيل إعدادها لدورها الدولى الجديد تم نقل مالالا من باكستان للإقامة فى برمنجهام وسط بريطانيا وتولت شركة علاقات عامة كبرى بمهمة الترويج لصورتها عالميًّا! أما الفائز الهندى كايلاش ساتيارثى فهو ناشط حقوقى هندى فى مجال حقوق الأطفال. ولد كايلاش ساتيارثى فى عام 1954 ونشط فى الحركة الهندية ضد عمالة الأطفال منذ عام 1990. فأنشأ منظمة "انقذوا حركة الطفولة الحقوقية" التى ركزت على مكافحة عمالة الأطفال والقُصَّر وطالبت بحقهم فى التعليم مما ساعد على تحرير أكثر من 80 ألف طفل هندى من مختلف أشكال العبودية، وساعد فى إنجاح إعادة إندماجهم فى المجتمع وتأهيلهم للتعليم. وقالت لجنة نوبل عن الفائز الهندى إنه "حافظ على تقاليد المهاتما غاندى فى استخدام مختلف أشكال الاحتجاجات السلمية، مع تركيزه على مكافحة الاستغلال الخطير للأطفال لتحقيق مكاسب مالية". لقد جاء إختيار لجنة جوائز نوبل لكل من مالالا وكايلاش ليحمل الكثير من الرسائل التى علينا وعلى العالم أجمع أن يدركها ويستوعبها ويتفهمها. فقد ذهبت الجائزة إلى من يريدون حماية حق الطفل فى التعليم والحرية وسط عالم تسوده الصراعات والحروب وأعمال العنف، تارة باسم الدين والمصالح القومية مثل ما حدث فى حالة مالالا يوسف زاي، وتارة باسم توحش رأس المال والصراعات الإجتماعية والطبقية مثلما حدث فى حالة كايلاش ساتيارثى. لقد آمن حكماء العالم بأن العلم كالماء والهواء وبأنه حق للجميع دون تمييز بسبب الجنس أو النوع أو العقيدة أو الدولة التى ينتمى إليها الفرد. وآمن الحكماء فى العالم بأن الطفل هو مستقبل البشرية كلها. فطفل يتعرض للإذلال والقهر والتدمير فى الهند أو باكستان، على سبيل المثال، سيتحول بعد سنوات إلى قنبلة موقوتة من الحقد والغل والكراهية والتطرف تحركه الرغبة الجامحة فى الإنتقام من الجميع سواء كان داخل الوطن أو فى باقى دول العالم. وبمعنى آخر سيكون أكبر خطر على السلام محليًّا وعالميًّا. وآمن حكماء العالم بأن التعليم هو السفينة المُبحرة فى بحر المستقبل الغامض، وأن تمكين الأطفال من ركوب سفينة التعليم سينير عقولهم، وأن معاملتهم معاملة كريمة تتناسب مع أعمارهم ستنير قلوبهم، وستجعلهم على استعداد لخدمة الوطن والعالم بل والبشرية بأسرها. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ