لا شك أن أعظم رحلة في الكون يمر بها المسلم في حياته إنما هي رحلة الحج ، ففيها من الفضائل والمنافع ما ذكره الله عز وجل في قوله تعالى: « وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ .. « (الحج : 27 - 28) . وفي جوار بيت الله، واستحضارًا للوقوف أمام روضة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ، أخذت أتامل ما صار إليه حال هذه الكثرة الكاثرة التي أربت على مليار ونصف المليار مسلم، واستحضرت صورة المسلمين في العالم ، وقفت أناجي ربي ، وأخاطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بهذه القصيدة التي بدأت كتابتها قبل السفر وأنهيتها صباح الأربعاء الموافق 7 من ذي الحجة 1435ه ، وفيها أقول : قم يا رسول الله قم فارع الزماما قم يا رسول الله صرنا كاليتامى قم يا رسول الله حُرّف ديننا دين السماحة والمروءة والنشامى قم يا رسول الله جئنا تضرعًا لله رب البيت أن يرعى الزماما * * * جئنا رسول الله نشكو حالنا حال التشدد والتسيب والجهالهْ حال المصالح والمطامع والتفرق والتشتت والتطرف والخيانهْ قم يا رسول الله أدرك أمة يسعى لهدم بنائها أهل الضلالهْ * * * جئنا وهذا العام غير الذي مضى مخاطرُ أخرى للعدا لا تنفدِ لكن خير الجند في مصر التي شرفت بتزكية الحبيب محمدِ قد وطنوا عند الشدائد أنفسنا وقفاتها عند النوائب تحمدِ * * * يا أمة المختار هي هبة تجلو الصدى وتصحح الأوضاعا أوضاع من باعوا ببخس دينهم طلبوا به الأموال والإمتاعا يجرون خلف الشرق والغرب لهثًا خدموا الأعادي والحيا قد ضاعا * * * كنا على الأيام أهل حضارة تهدي إلى الأخلاق والإحسان ماذا أصاب القوم بعدك أحمد من سوء أخلاق ومن نكران نحتاج هبة ثورة فكرية لنقوم المعوج في البنيان * * * تبًا لأيدي العابثين بديننا ممن أرادوا الشر في أوطاننا تبًا لهم خرقوا السفين بجهلهم فلنصلحن ما أفسدوا بدمائنا إن السماحة أصلها في ديننا والعدل والإحسان في قرآننا * * * أقسمت بالبيت الذي طفت حوله وطاف رجال أهل صدق وحكمة لا نسلم الإسلام في أوطاننا أبدًا لأهل تشدد وتعنت سنقاوم الفهم السقيم بحكمة ودراية ورواية وبفطنة وإنني لأدعو كل مسلم غيور على دينه أن يراجع نفسه، وأن يصحح نيته، وأن يقدم مصلحة الإسلام على أي مصالح أخرى تضر بصورة هذا الدين أو تشوهه، وأؤكد أن على كل حاج خلع ملابسه الدنيوية وتجرد لله عز وجل أن يؤثر مصلحة دين الله على كل المصالح والمطامع الحزبية أو المذهبية أو الشخصية . ومن جوار بيت الله الحرام أدعو الله عز وجل أن يحفظ مصر وأهلها من كل سوء ومكروه، وأن يجعلها أمنًا أمانًا سخاء رخاء وسائر بلاد العالمين، وأن يوفق قيادتها الحكيمة للعبور بها إلى بر الأمان، وأن يوفق أزهرنا الشريف لاستعادة دوره التاريخي في حمل لواء السماحة والوسطية . لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة