فى عمر الزمن المسافة بين القاهرة وبين مشروع حفر قناة السويس الجديدة، لا تزيد على ساعتين، ولكن على أرض المشروع اختلفت الحسابات، فاليوم هناك 96 ساعة بالتمام والكمال، تترجمه ملحمة عمل وطنية فى مختلف التخصصات من حفر ونقل وتكريك وخدمات إعاشة واتصالات. ذلك هو إحساسى من الوهلة الأولى التى وطأ فيها قدماى أرض المشروع، ضمن بعثة الأهرام، وهذا أيضا ما أكده قائد تأمين الموقع من خلال شرحه لدولاب العمل على شط القنال. 18 ألف عامل يعملون بإخلاص وتفان على مدار 4 ورديات طوال اليوم، يصلون الليل بالنهار، باستثناء 4 ساعات فقط لتزويد المعدات بالوقود وإعادة تأهيلها لاستئناف العمل من جديد. الجميع هناك يبذلون جهدا فوق العادة للانتهاء من الحفر فى موعده المحدد، بلا ملل أو كلل، وبروح عطاء وحب من النادر أن تراها فى غيره من المشروعات. أما اللافت للنظر هناك فهو دقة الانضباط والإلتزام بين إدارة المشروع العسكرية، وكتائب العمل المدنية من عمال ومقاولين وسائقين، فلا أحد يخرج عن المسار المحدد له، ولا يملك آخر أن يتباطأ لحظة عن أداء مهمته، فى إطار من التعاون الودود، وصولا لساعة الصفر التى حددها القائد للانتهاء من الحفر خلال عام. كل شيء هناك مختلف برغم أن الجميع مصريون، والشركات القائمة بالحفر محلية، ولكن الروح بالقطع مختلفة، لان الهدف واضح والمهمة محددة، والقدوة ماثلة أمام العيون، والثقة بين الشعب وقائده فاقت كل الحدود. إنجاز تاريخى بكل المقاييس، يكشف عن معدن المصريين من أحفاد الفراعنة العظام، الذين صنعوا المعجزات بملامح عطاء مماثلة ومجسدة فى السد العالي، وتحطيم خط بارليف، ونصر أكتوبر المجيد، وغيره من الأعمال الخالدة فى سجل الوطنية المصرية، وها هو مشروع القناة يقفز على رأس قائمة تلك المشروعات، لأنه يعد اللبنة الأولى فى بناء مصر الجديدة بالدم والعرق ورفات الشهداء، لذلك وجب علينا تحية كل القائمين على أرض المشروع من عسكريين ومدنيين، و«تعظيم سلام».