استجابة للأصوات الحقوقية المطالبة بالقضاء على بقايا العبودية فى موريتانيا،اتخذت السلطات سلسلة من الخطوات الواعدة للتصدى للظاهرة، حيث أصدر الرئيس محمد ولد عبد العزيز مرسوما رئاسيا بإنشاء "وكالة محاربة مخلفات الرق ومكافحة الفقر". كما قامت الحكومة الموريتانية في منتصف الشهر الحالى بتوظيف قطاع الشئون الإسلامية في القضاء على الاسترقاق من خلال إقامة ندوة تحت رعاية رئيس الوزراء الموريتاني يحيى ولد حدمين، والذي قال ": إن موريتانيا تملك اليوم كل الوسائل الكفيلة بتجاوز تلك الآفة وذلك من خلال ترسانة قانونية فعالة مؤسسة على الحرية والمساواة فضلا عن الجهود الجبارة الخاصة بمحاربة الفقر والجهل والتهميش، "مضيفا أن "مساهمة قطاع الشئون الإسلامية والتعليم الأصلي في القضاء على مخلفات الاسترقاق ضرورية وذلك بوصفه القطاع الذي يمثل مرجعية الأمة وقدوتها في التوجيه والإرشاد.
و تأتى الجهود الحكومية للقضاء على ذيول العبودية فى موريتانيا نظرا لاعتراض الكثيرين على استمرار بعض المظاهر السلبية فى المجتمع. فعلى الرغم من مرور ثلاثة عقود على إلغاء العبودية وتجريمها ، فإن مسألة الرق صارت من السمات المتأصلة التي حفل بها ماضي ومستقبل المجتمع الموريتاني معا، ولا سيما أن هناك كثيرا من الموريتانيين الذين يحتفظون بصكوك ملكية للرقيق ، متفاخرين بها في مناسباتهم ، مما جعل هناك حاجة ملحة لكي يتم تغيير هذا الفكر من خلال العمل على تطبيق القانون الخاص بتجريمه ومعاقبة من يقوم به ، خشية حدوث حالة من العنف والصراع الداخلي في ظل الواقع البائس الذي يزداد فيه تهميش هذه الفئة بشكل مستمر مما يهدد تماسك المجتمع الموريتاني. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن أصول ظاهرة الرق والعبودية في موريتانيا تعود لطبيعتها القبلية ، نتيجة الحروب التي كانت تنشب بين القبائل خلال القرون الماضية، حيث كانت تقوم القبيلة المنتصرة ببسط سيطرتها على القبيلة المهزومة ، مما يسفر عن سبي النساء وأسر الرجال من أجل استرقاقهم . وعلى صعيد آخر فإنه لا يمكن فهم وتفسير طبيعة العبودية في موريتانيا دون التطرق إلى التركيبة العرقية للشعب الموريتاني والتي تتشكل من عنصرين أساسيين هما العرب والزنوج ، أوبالأحرى البيضان والحراطين (الحراثين أو المزارعين). ويمثل هؤلاء "الحراطين" شريحة اجتماعية واسعة في المجتمع حيث يعتبرون في السكان الأصليين للأراضي الموريتانية ، غير أن الفقر والجهل قد دفعهم إلى الاسترقاق من أجل كسب لقمة العيش. الظلم التاريخي الذي أنتج ظاهرة رقيق موريتانيا، وقع باسم الدين من خلال الاعتقاد بجوازه شرعا بعد أن تمسك العديد من رجال الدين الموريتانيين بدعم هذه الظاهرة والتشريع لها ، مما جعل هذا الفهم السيئ للدين يسهم في إبقاء هذه الوضع على ما هو عليه لسنوات عدة ، واستغلال هؤلاء الضحايا بشكل سافر من خلال معاملتهم كقطعان ، التي ليس لها أية حقوق، مع حرمانهم من امتلاك أي شيء حتي ولو اسم العائلة، بل والأبشع من ذلك أيضا أنه لا يحق لهم الوصاية القانونية على أولادهم ، ليبقى بذلك هؤلاء "الحراطين" أو العبيد غرباء في بلادهم وكأنهم في منفى يواجهون فيه مختلف مظاهر القهر والظلم . ولكنه في ظل هذا الظلام الدامس بدء حراك الرقيق لمكافحة عبوديتهم في السنوات الأولى لاستقلال موريتانيا من الاستعمار الفرنسي في بداية ستينيات القرن المنصرم ، بعد أن أصبحت العبودية على مسمع ومرأى من الدولة لانتشارها بشكل علني، بين جميع فئات المجتمع الموريتاني ، وقد جاء أول إلغاء حقيقي للعبودية في عام 1982، خلال حكم الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيدالة بموجب مرسوم رئاسي على إلغاء الاستعباد، إلا أن حالات عديدة من العبودية ظلت قائمة في ظل غياب الترسانة القانونية اللازمة لمعالجة الظاهرة بشكل كلي ، كما تباطأت أيضا الحكومة بشكل كبير في سن قوانين تجرم هذه الممارسات ، بل استمرت في إنكار وجودها من الأساس معتبرة أنها مجرد مخلفات من الماضي فقط سوف تندثر بمرور الوقت ، إلى أن جاء أول برلمان تعددي كان على رأسه أحد الأرقاء السابقين ، هو مسعود ولد بلخير، ليصدر بالإجماع قانونا يجرم ممارسة الظاهرة، وهو القانون الجاري العمل به حتى الآن.