لا يزال التاريخ يخفى أسرارا لم تعرفها شعوب العالم عن أسلافها الذين عاشوا منذ آلاف السنين، لكن الصدفة تزيح الستار أحيانا عن هذه الأسرار، خاصة إذا كان ما يعرفه العالم عنها قليل. ومن بينها عصر الحضارة الفينيقية القديمة التى قامت على سواحل سوريا ولبنان. ففى الأسابيع الماضية اكتشف خبراء الآثار المتخصصون فى البحث تحت الماء، ما يمكن أن يكون أقدم حطام لسفينة تجارية عثر عليها فى وسط البحر المتوسط عند سواحل جزيرة "جوزو"، وهى ثانى أكبر جزر مالطا، على عمق 120 مترا تحت الماء، وكانت السفينة قد غرقت بحمولتها منذ حوالى 3 آلاف سنة، وبشكل تقريبى حوالى عام 700 قبل الميلاد. أثار هذا الاكتشاف اهتماما واسع النطاق بين المؤرخين الذين وجدوا أن هذه السفينة يمكن أن تساعدهم على إلقاء الضوء على الحضارة الفينيقية المفقودة، وعن ثقافتها القديمة. ومن المعروف أن الفينيقيين، والذين يعرفون كذلك بالكنعانيين، قد عاشوا على طول ساحل سوريا ولبنان، فى الفترة من 1550 قبل الميلاد إلى عام 300 قبل الميلاد. وكان الفينيقيون يبحرون فى طرق بحرية عبر البحر المتوسط يحملون منتجاتهم ويقومون بمبادلتها مع شعوب أخرى. وقد سارع خبراء من مالطا وفرنسا والولايات المتحدة إلى موقع العثور على السفينة الغارقة لإجراء دراسات على محتوياتها والتى تعود إلى العصر الفينيقى. وتبدأ قصة الكشف عن السفينة عندما كان بعض علماء الُآثار يقومون بالبحث عن آثار فى هذه المنطقة مستخدمين أجهزة السونار، وذلك ضمن مشروع تموله وكالة الأبحاث الوطنية الفرنسية، ليفاجأوا بوجود حطام السفينة الفينيقية بطريق الصدفة، وقاموا بالتقاط 8 آلاف صورة للموقع، وللقطع التى عثر عليها فى الحطام، ومن بينها 50 قارورة من الفخار، وأوان من السيراميك تستخدم فى حفظ الأطعمة، ومجموعة من الطواحين الحجرية للطحن. وشارك مجموعة من العلماء من جزيرة مالطا العلماء المتخصصون فى مواصلة البحث فى حطام السفينة، ودراسة النتائج العلمية والتاريخية التى تستخلصها من هذا الإكتشاف. ويقول دكتور تيموثى جامبن، خبير الآثار البحرية بجامعة مالطا، والذى يقود فريق المكتشفين، أننا نقوم أولا بدراسة نتائج الاكتشاف ميدانيا فى منطقة العثور على حطام السفينة، ثم نقوم بعد ذلك بتحليل كل المعلومات وتحديد ما سنفعله بعد ذلك، وأضاف أن هناك فرصة كبيرة أن يكون هيكل السفينة الخشبى لايزال موجودا ومدفونا تحت الرمال. وذكر جامبن كذلك أن معرفتهم بتاريخ غرق السفينة جاء نتيجة دراسة أشكال الأوانى التى عثر عليها، بالإضافة إلى مجموعة بيانات أخرى حددت لهم التاريخ بدقة. وقال جامبن أن هذا الاكتشاف يعتبر بالغ الأهمية ومثيرا للغاية، ليس بالنسبة لرجال الآثار المتخصصين بالبحث فى قاع البحر فقط، ولكن أيضا بالنسبة لشعوب العالم المهتمة بأن تتعرف على الحضارة الفينيقية القديمة، والتى لا تتوافر عنها سوى معلومات قليلة.