تقول الأرقام إن أثري20% من السكان يملكون80% من الثروة القومية, وأن ال5% الأشد ثراء بين هؤلاء يمتلكون50% من ثروة البلاد. وفي المقابل فان أفقر80% من الناس في بر مصر لا يملكون إلا20% فقط من ثروات البلاد. لفتت الأنظار بقوة تلك المناقشات التي دارت بين الدكتور جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وبين الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية حول الفقر في مصر, داخل مجلس الشعب, واشترك في جانب منها الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية. فبينما قال الدكتور الملط إن نسبة الفقر زادت وأصبحت23.4% بعد أن كانت19.8%, وفقا لارقام البنك الدولي, شكك الدكتور عثمان في صدق هذا الرقم, وأكد أن الرقم الأقل هو الصواب. وأصر الدكتور الملط علي وجهة نظره قائلا: إن هذه الأرقام التي ذكرها هي أرقام المنظمات الدولية الاقتصادية المعنية بمتابعة أوضاع العالم كله. وعندها تدخل الدكتور غالي قائلا إنه لا يوجد خلاف علي الأرقام, لكن الخلاف علي المفاهيم التي يتم توظيف الارقام في سياقها. والذي يهمنا نحن من هذه المناقشة أنها دارت تحت قبة البرلمان, وليس من المفترض أن أيا من أطراف هذه المناقشة يجب أن يتوقف عند نسبة الفقر في المجتمع المصري. فقد اتفق الاطراف الثلاثة علي أن الفقراء لايقلون عن خمس سكان البلاد الذين تقل دخولهم عن دولارين في اليوم وهناك تقديرات تتحدث عن40% إذن ماذا يفعل مجلس الشعب وقد علم أن في البلاد مثل هذا العدد من الفقراء؟ أين هي البرامج التي يجب طرحها لمواجهة هذه المشكلة؟ لاحظ ايضا أن الملط عندما طرح تصوره قال إن77% من الفقراء في مصر يقيمون في الارياف بالقري, وأن أكثر من750 قرية من الألف قرية الأشد فقرا توجد في صعيد مصر. (2) ليس المقصود من الكلام هو الحديث عن أعمال الخير والتبرعات وجمعيات النفع العام, فليس من العدل أن يتحدث المجتمع عن أعمال الخير, قبل أن يؤدي ما يجب عليه أن يفعله. القراءة المتأنية للخريطة الاجتماعية في البلاد تحتم ضرورة طرح تصور يعيد النظر في طريقة توزيع أو تقسيم الثروة بين المصريين, بحيث تصبح أكثر عداله عن وضعها الحالي البالغ الظلم ومن الأدوات التي لا يمكن إغفالها في هذا المجال أداة الضرائب. فليس من العدل اطلاقا أن تملك قلة من السكان لاتزيد علي5% نحو50% من الثروة, في حين أن80% لايملكون إلا20% فقط, نحن هنا لا نتحدث عن اشتراكية أو شيوعية أو أي شيء من هذه الأشياء نحن نتحدث عن العدل الاجتماعي بمعناه البسيط. في هذه الظروف تتولد الاحقاد الطبقية وتتولد الصراعات, وتتولد الكراهية وينشأ الغل والتواترات والانفجارات الاجتماعية. كيف يمكن أن يتآخي في الوطن طفل لا يجد ما يستر به جسده أو مكان يذهب إليه ليتعلم أو مستشفي يتلقي به العلاج, ولايعمل والده في مكان لائق يحصل منه علي أجر يكفي احتياجاته, مع آخر لديه الكثير من كل شيء, ويعيش مع أبيه في أبهة وثراء!؟ أبسط الوسائل هي فرض الضرائب التصاعدية علي الدخول. فعن طريق هذه الضرائب تتوافر لدي الدولة الأدوات والوسائل التي تستطيع عن طريقها رفع المستوي الاقتصادي والاجتماعي للجماعات الأشد فقرا في المجتمع.. كل هذا تحت رقابة برلمانية صارمة, فطالما أن الحكومة تفرض ضرائب تصاعدية, وطالما أنه لا ضرائب بلا برلمان أو قانون, إذن يجب أن يكون هناك برلمان قوي يتابع أوجه الإنفاق حتي لا تتبدد في اشياء لا طائل منها. وبهذه الطريقة وعبر السنين يمكن اعادة توزيع الثروة بين السكان في مصر وتصبح الخريطة الاجتماعية أكثر عدالة من وضعها الحالي. (3) القضية باختصار هي أن فرض الضرائب التصاعدية يوفر للحكومة موارد تستطيع عن طريقها ومع الاهتمام الواعي بزيادة نصيب كاسبي الاجور من الثروة القومية, وخلال سنوات محدودة سوف نجد أن نصيب أفقر80% من السكان زاد كثيرا عن وضعه الحالي المؤسف الذي لا يتجاوز20% من الثروة وعبر السنوات سوف نجد أن شكل المجتمع كله قد تغير, فلن نشاهد التفاوتات المحزنة والمؤسفة الموجودة الآن. في دول الاتحاد الأوروبي يعتبرون المواطن الذي يقل دخله عن60% من المتوسط العام للدخل في أوروبا الغربية20 ألف دولار في السنة فقيرا, يستحق الاعانة, والسبب في هذا التشخيص العالي لتعريف الفقر في أوروبا هو الصناعة.. الصناعة هي المفتاح جنبا إلي جنب مع سياسات ضريبية قوية تخضع لرقابة برلمانية صارمة هدفها زيادة نصيب كاسبي الاجور من الدخل القومي. ولذلك فليس المفروض أن تقف المناقشة بين الملط وغالي وعثمان عند الحد الذي توقفت عنده بل يجب أن تنطلق إلي وضع برامج ضريبية وخطط للصناعة والتصنيع الحقيقي حتي نسير علي الطريق الحقيقي لمكافحة الفقر. ومن المفهوم أن الدولة لعبت دورا كبيرا في ظهور طبقة رجال الأعمال الحديثة ووفرت لهم كل التسهيلات اللازمة لذلك بدءا من القروض, ونعتقد أنه من العدل أن تقوم الدولة بدور مماثل لإخراج الفئات الأكثر فقرا من تحت خط الفقر أيا كانت النسب أو المفاهيم.