سجل المقريزى فى كتابه ( الخطط ) أن مصر, وتحديدًا منذ أن جاء الفاطميون فى منتصف القرن الرابع الهجرى تقريبا, وهى تموج فى معمعة من الأعياد وصلت إلى نحو ثلاثين عيدًا .. وهذا مثبت فى دواوين شعراء تلك الفترة الطويلة بداية من عيد رأس السنة الهجرية وانتهاء بعيد محمل الحج الذى كان يخرج من القاهرة منذ أن تولى صلاح الدين الأيوبى زمام الحكم بمصر والشام فى القرن السادس الهجري. إلا أن الاحتفالات بعيد الأضحى كانت تأخذ أشكالا شديدة الخصوصية لكونه العيد الذى يأتى متناغمًا مع رحلات الحج إلى بيت الله المكرم، ولذلك كان الناس يحرصون فى ليلة العيد أن يعلقوا الزينات والقناديل على المساجد والبيوت إيذانًا باحتفالات العيد ، ويقول ابن بطوطة فى كتابه ( الرحلات ) : إن أهل مصر كانوا يعلقون القناديل على المساجد فى ليلة الأضحى من أجل تعريف الناس بأن هذه الليلة هى ليلة العيد ،ومن هنا جاءت كلمة «منارة» مرادفا لكلمة مئذنة . وتبدأ الاحتفالات فى نفس الليلة فى كل مساجد مصر خاصة المساجد الكبرى فى القاهرة والإسكندرية بالتكبير والتهليل على سنة النبى الهادى صلى الله عليه وسلم وتستمر حتى الصباح . يقول ابن بطوطة : ( وبمجرد أن تعلق الزينات على المساجد إيذانا باحتفالات العيد ، حتى تبدأ الحمامات الشعبية فى استقبال المحتفلين ، بإطلاق المباخر ، ونشر العطور ، واستقدام المغنين من باب البهجة بمطلع العيد وإطلالته ، ولجذب الرواد والمُعيدين ، وتظل الحمامات تعمل وتستقبل الزوار حتى ساعات الفجر ، وحتى يسمع الناس تكبير صلاة العيد) . ومع ساعات الصباح الأولى يخرج الخليفة فى موكبه الكبير لأداء صلاة العيد يتقدمه الحرس والوزراء وكبار القضاة فى مشهد غفير، وكان الخلفاء والسلاطين ، ومنذ العهد الفاطمى يصلون فى الأزهر الشريف ، ويدخل الخليفة المسجد فى هيئة المراسم بالمظلة ، ولباسه من الحرير الأبيض ، المزركش برسوم الذهب ، وعلى رأسه قلنسوة من الذهب الخالص ، ويفرش له فى المحراب ثلاث طراحات من نسيج الدبيقى الأبيض ، الذى كان يستقدم خصيصًا من دمشق لهذا اليوم، ثم يصعد قاضى القضاة إلى أعلى المنبر ليبخر القبة ثم يدعو الخليفة إلى إلقاء خطبة العيد ، وكثير من خلفاء الدولة الفاطمية و سلاطين الدولتين الأيوبية والمملوكية كانوا يحرصون على إلقاء خطبة العيد باعتبار أن الخليفة هو أمير المؤمنين.أما الخطبة التى يلقيهاالخليفة فهى قصيرة ، يعدها له ديوان الإنشاء. وبعد الصلاة يخرج الخليفة ورجاله أولا ، ثم ضيوفه وبقية الرعية ، وبعد رحلة صلاة العيد يعود الخليفة أو السلطان إلى القلعة ليشهد ذبح الأضحيات والخراف بنفسه, ثم يبدأ الخليفة فى الاستعداد لتناول إفطار الأضحي. وكان الخلفاء والسلاطين يبالغون فى الاحتفالات بعيد الأضحي, خاصة فى العصر الفاطمى ، وفى توزيع الصدقات على الفقراء والمحتاجين ، وفى التوسعة على العلماء ، وكان يشاركهم الشعراء الاحتفال ، وتلقى فى تلك الاحتفالات القصائد المطولة والشهيرة لتهنئة الخليفة بالعيد ومنها تهنئة عمارة اليمنى للخليفة العاضد بعيد الأضحى ، مستغلا الفرصة لمدحه .. قائلا : الشعر يعلم أن قدرك أكبر مما نقول وأن فضلك أكثر ومتى يقوم ببعض حقك معشر أضحت خطاياهم بمدحك تغفر والجميل فى هذا العيد -كما يقول الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور- إن المصريين جميعًا كانوا يحتفلون بهذا العيد ؛ مسلمين ومسيحيين على حد سواء ، فيذبحون الأضاحى ، ويصنعون الحلوى ، ويتبادلونها فى شكل الهدايا ، ويخرجون معاً إلى الحدائق وأماكن التنزه ، يلعبون ويلهون ، لا فرق بين المسلم والمسيحي، فى حين تتعطل الأسواق عن البيع والشراء فى اليوم الأول من عيد الأضحي.