مازالت فرقة «مسرح الممثل» مهمومة بطرح معانى الحياة والموت لدى شباب تحاصر عقولهم أفكار ومصالح من كل اتجاه فصاروا ضحايا لصراع بين كبسولات وحقن إعلامية مريضة وبين تقاليد ومعتقدات مجتمع تصر على الوقوف بنا محلك سر.. فبعد عرضيهما «حلم بلاستيك» و«أوبريت الدرافيل» تعرض لهم حاليا مسرحية «عيش انت» وهى نتاج ورشة ارتجال كتبها وأخرجها شادى الدالى طارحا فيها سؤالا مهما وهو: هل يمكن أن تعيش دائما على حافة الموت؟ العرض يكشف رغبة أبطاله في الاقدام على الانتحار لاسباب متعددة واستقبال الموت بمشاعر واحاسيس مختلفة كما لو كنت تقنع نفسك بأنك تبحث عن عالم أفضل من خلال عدة مشاهد تتنوع بين السرد لأسباب الانتحار والأداء التمثيلى لأحداث وشخصيات تدفعك لهذا الفعل دفعا، فنرى نماذج للبلطجية المستعدين للمشاركة في أى حدث مقابل المال وجسده فهد ابراهيم ببراعة مستغلا ملامح وجهه التى تؤهله لأداور الشر مستقبلا.. إعلاميين يخترقون البيوت بأفكار مسمومة فمنهم من يختفى خلف ستار الدين ومنهم من يقدم وجبات سريعة للتفاهة والسطحية.. أنواع متعددة لشباب كل هدفهم في الحياة معاكسة البنات والتحرش بهن أو نفخ عضلاتهم في صالات الجيم بينما تتردد في الفضائيات أخبار سقوط آلاف القتلى والجرحى كل يوم هنا وهناك.. وعلى جانب آخر يطرح العرض صورا لأولاد وبنات بعضهم سجناء لعادات وتقاليد مجتمع متناقض محذرا البنات مثلا في التعامل مع الأولاد في صغرهم بينما يطالبهن بالتحرر والانطلاق في شبابهن للحصول على فارس الأحلام خوفا من أن يدهسهن قطار العنوسة. تناقضات غريبة استغلها المخرج شادى الدالى ببراعة في تقديم حالة كوميدية يائسة لمصير هؤلاء الشباب المطالبين بقيادة سفينة المجتمع الآن وساعده في ذلك ديكور بسيط لهنادى سليط انحصر في ستائر لامعة شفافة في خلفية خشبة المسرح سهلت عمل مصمم الإضاءة ابوبكر الشريف في منحها إحساس الغموض أحيانا بإضاءة زرقاء والتوهج أحيانا بإضاءة حمراء.. ثم مكعبات خشبية في خلفيتها اشجار جافة لمشاهد برامج التوك شو، وممر من طبقة بلاستيكية انطلق عليه الممثلون مشيا في منتصف الخشبة وكأنهم في عرض أزياء. وقبل كل هذا جسد الممثلون أداء رشيقا تنقلوا خلاله بين ادوار متعددة بنعومة اتاحت لكل منهم الفرصة في عرض مهاراته مع تقديم تعريفات علمية للموت والتغيرات التى تطرأ على جسد الإنسان والحيوان بعده وذلك بتعبيرات حركية وتشنجات تعكس الخلل النفسي فى المجتمع ، وقد ارتدوا جميعا ملابس لاعبى الباليه ولكن بلون أسود وعبر حركة مسرحية متوازنة وقفت اسماء ابواليزيد في منتصف المسرح تلقى حوارها وعيناها تتلألآن بدموع متحجرة ومشاعر متدفقة بينما جاء أداء ربا الشريف خاطفا وسريع الإيقاع خاصة في مشاهد معاكسة الشباب لها ثم تجسيدها لحركات الأرانب ايضا، بينما ذكرنى أداء احمد يحيى في خفة ظله بالفنان القدير حسن يوسف في أدواره السينمائية القديمة وكذلك عمر رأفت الذى لعب دور أحد الدعاة الجدد بأداء بهلوانى مرح واستغل محمد مسعد ملامح وجهه البريئة في تجسيد دور كوميدى لشاب بلا أى تجارب نسائية، ولا ننسى كلا من مهند شبانة ورندا عصام واسراء الغزالى ووئام عصام وجنة المقدم وياسمين الغباشى بأدائهم المتناغم جدا داخل إيقاع سريع للعرض الذى لم يعكر صفوه سوى طول مشهد برنامج «الدعاة الجدد».