سيظل الأزهر الشريف واحدا من أهم الجامعات العالمية التى أنشئت وجاء ترتيبها ضمن أقدم جامعات العالم من الشرق بالاضافة الى جامع القرويين بالمغرب والزيتونة بتونس. ويسجل التاريخ أن (الأزهر) أنشئ فى أول عهد الدولة الفاطمية وأرسى حجر أساسه فى الرابع والعشرين من جمادى الأولى 359 ه/ 975م، وصلى فيه الخليفة المعز لدين الله الفاطمى ثانى خلفاء الدولة الفاطمية صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان سنة 361ه/ 972م، إيذانا باعتماده الجامع الرسمى للدولة الجديدة، ومقرا لنشر الدين والعلم فى حلقات الدروس التى انتظمت فيه، وبدأها القاضى أبوحنيفة بن محمد القيروانى قاضى الخليفة المعز لدين الله، وقد كان النظام المتبع أن ينتخب من بين كبار العلماء ناظر يشرف على شئونه منذ إنشائه الى آخر القرن الحادى عشر الهجري، وفى عهد الحكم العثمانى أنشئ منصب شيخ الجامع الأزهر ليتولى رئاسة علمائه، ويشرف على شئونه الإدارية، ويحافظ على الأمن والنظام، وكان أول شيخ للأزهر هو الشيخ محمد عبدالله الخرشى المالكى المتوفى سنة 1101 ه/ 1690م، وتوالى على المشيخة نخبة من الذين تربوا على اخلاقيات وعلوم الازهر الشريف، وكان كل شيخ يكنى بالمذهب الذى يتبعه، الشافعي، المالكي، الحنفى وهكذا وقد مر على المشيخة حتى اليوم 46 شيخا انتهاء الى فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب.لقد اعتاد كثيرون من المغرضين على اتهام الأزهر، واختلاق المقالب الشائنة لرجاله، وهم إذ يلصقون التهم الآثمة بهم إلصاقا يتجافى مع الحق والإنصاف، إنما يهاجمون الإسلام نفسه من وراء ستار ليحققوا مآرب خبيثة لا يقدرون على البوح بها علانية، ولا جرم فقد (..بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر..) [آل عمران:118]، فإذا تصفحنا مواقف تاريخنا الحديث نجد لأعلام الأزهر فى الذود عن الحق والوقوف فى وجه الباطل آيات رائعة يفوح منها الشذى العاطر وأذكر منهم الشيخ محمد الخضر حسين فعندما تولى مشيخة الأزهر كتب استقالة غير مؤرخة من صورتين، احتفظ بإحداهما فى مكتبه، وأعطى الأخرى للشيخ بسيونى مدير مكتبه، وقال له: «إذا رأيتنى ضعيفا فى موقف من المواقف فابعث بالصورة التى معك الى المسئولين نيابة عنى، وهذه مسئوليتك أمام الله» كلمته هذه تذكرنى بكلمة أبى بكر الصديق رضى الله عنه: «وإن أسأت فقوموني، وحينما حيل بين الشيخ شلتوت وبين سلطاته فى تنفيذ أفكاره بتطوير الأزهر قدم استقالته للرئيس الراحل جمال عبدالناصر وقال فيها: «أجد نفسى أمام واحد من أمرين، إما أن أسكت على تضييع أمانة الأزهر، وهو ما لا أقبله على دينى وكرامتي، وإما أن أتقدم فى هذه الظروف بطلب إعفائى من منصبي» وهذا الشيخ جاد الحق على جاد الحق الذى تمسك بموقف مؤتمر علماء المسلمين الذى عقد بالأزهر، وافتى بأن فوائد البنوك من الربا المحرم، وطالب بالعودة الى مباديء الاقتصاد الاسلامي، كما رفض قرار الكونجرس الأمريكى بنقل السفارة الأمريكية الى القدس، وطالب أمريكا بمواقف عادلة تجاه العرب وإسرائيل، وأكد أن القدس إسلامية، ثم هذه المواقف المشرفة للدكتور أحمد الطيب التى أعادت مرة أخرى للأزهر مكانته وسط عالمه الإسلامى ادعو الله معى أن يحفظ أزهرنا الشريف من كل دنس وأن تقطع يد من أراد به سوءا وأن يجعله دائما الينا والى أمته المسلمة رمزا للوسطية والحكمة. د.حامد عبدالرحيم عيد أستاذ بعلوم القاهرة ومدير مركز التراث العلمى