أكد الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق أن التدمير المنظم الذى تشهده أكثر من دول عربية حاليا تم الاعداد له منذ زمن بعيد، وأنه حذر منه فى خطبه عام 2005 ولم يستمع إليه أحد، وأوضح فى حواره مع «الأهرام» أن نشأة التيارات والجماعات المتطرفة تعود لابتعادها عن المنهج الوسطى بالأزهر الشريف وأرجع تصرفات وجرائم «الدواعش» الوحشية إلى أنهم يفهمون أن نصوص القتال هى الأساس فجعلوا الأصل فرعا والفرع أصلا. والى نص الحوار. كيف تنظر الى التدمير المنظم الذى تشهده المنطقة العربية وبالتحديد فى ليبيا وسوريا والعراق؟ هذا التدمير المنظم معد منذ زمن بعيد يزيد عن العشر سنوات وقد حذرت منه فى خطبة لى من على منبر جامع السلطان حسن وذكرت هذه الدول بعينها بالإضافة إلى مصر والسعودية، والقصة وراء ذلك أننا قد رصدنا فى العقود الأخيرة دعوة عالمية إلى ما يسمى بالفوضى الخلاقة، و هذا مشروع يراد تنفيذه و ليس هناك من يستطيع أن يقف ضده ولقد كتبت بجريدة الأهرام سنة 2005 عدد من المقالات عن أصل هذا المصطلح وما يترتب عليه ، والسؤال عما تعنيه الفوضى الخلاقة !!فهى تعنى أنه يجب علينا أن نناقش كل شيء!! من المسلمات، والبديهيات، والفتاوى، والقضايا، وأحكام القضاء والأخلاق...فليس هناك مقدس, بل إن كل شيء مدنس!! ولكن لم يستمع أحد لهذا الكم الضخم من التحذيرات وحدث ما نراه الآن من مخططات الفوضى الخلاقة. لماذا تنشغل المؤسسات الدينية بكل ما هو غريب وهامشى وفرعى لتصدر فيه الفتاوى وتصمت أمام جرائم هزت ضمائر الناس فى كل مكان؟ والله هذا السؤال يجب أن يوجه إلى الإعلام فالمؤسسة الدينية فى مصر بريئة من هذا الإتهام براءة كاملة، وسأعطى لك مثلاً لذلك، دار الإفتاء لديها أكثر من مليون فتوى موثقة وهذا هو دورها أن يأتيها السائل فيسألها وتجيبه، والسؤال الآن من هو المسئول عن البحث فى هذا الكم الضخم من الفتاوى وانتقاء فتوى – كما تسميها – هامشية فيُصدرها لتكون عناوين رئيسية فى الصحف ويحولها إلى قضية عامة تشغل الناس بينما يهمل – عن قصد أو دون قصد – مئات البيانات التى يصدرها الأزهر أو دار الإفتاء والتى تدعو للاهتمام بالتعليم وبناء المجتمع والاهتمام بالمرآة والطفل ومحاربة الإرهاب والتطرف. والسؤال هنا لماذا لم تحول هذه البيانات إلى عناوين رئيسية فى الصحف بدلا من انتقاء تلك الفتاوى التى تطلقى عليها كلمة «الهامشية «! وبالنسبة لى، فلقد سُئلت منذ أيام عن مدى مشروعية لبس المرأة «الكعب العالي» فأجبت أن هذه مسألة طبية فى المقام الأول وأن الأطباء يحذرون من لبس الكعب العالى لعدم الإضرار بجسم المرأة، ولكن قبل ان أجيب تحدثت باستفاضة عن أهمية عدم تصدير مثل هذه الأسئلة – الهامشية كما تقولين– والتى من شأنها أن تشغل الرأى العام بمسائل فرعية وأن علينا الاهتمام بالقضايا الأساسية التى تشغل البلد كالعمل والعلم والبحث العلمى والكلام مسجل بالصوت والصورة فإذا بالمواقع المختلفة تحذف هذه المقدمة والتى تعُد هنا أهم من الإجابة ثم تحول إجابتى إلى قضية تشغل بها الناس حتى وصل الأمر إلى قيام أحد المواقع بعمل استفتاء فى الشارع بشأن هذه الإجابة. فماذا أفعل كعالم دين أو كمؤسسة كدار الإفتاء؟ هل أتوقف عن إجابة الأسئلة التى يوجهها لى المسلمون، والتى هى وظيفتى أم اتوجه بالنصح إلى الإعلام بعدم تحويل المسائل إلى قضايا وعدم تهميش القضايا المهمة، وها أنا أعيد كلامى الذى بُح صوتى فى تكراره مرة أخرى إن الإعلام من أهم الأجهزة فى الدولة فى العصر الحالى ومن أهم الأدوات فى بناء النهضة الحالية وأنه يجب عليه أن يقوم بواجبه على حدود ميثاق شرفه الذى يعرفه كل مخلص، وأكرر أننا إذا فقدنا إعلامنا فقد فقدنا أنفسنا. مع أن تعاليم الإسلام أنصفت المرأة إلا أن الأمر المؤسف أن الذين حكموا باسم الدين حقروا من شأنها ويعرضونها الان للبيع فى سوق النخاسة فما تعليق فضيلتكم على ذلك؟ قضية المرأة من القضايا التى تم عرضها بصورة مشوهة بهدف تشويه صورة الإسلام حتى ذهب البعض ليعتبرها إحدى نقاط ضعف الدين الإسلامي، والمرأة باختصار هى نصف المجتمع وتلد النصف الآخر، فهى تخرج منها الحياة ولذلك فهى جديرة بأن تكون أم الحياة، هذا هو رأى الإسلام فى المرأة، فنحن نعتقد أن الله خلق المرأة والرجل من نفس واحدة، فهما معًا يُكونان الجنس البشرى الذى كرمه الله، وذلك لإيمانهم بكلام ربهم ، ونعتقد أنه لا يوجد تمييز لنوع على نوع، وأن معيار التفضيل عند الله هو بقيمة كل إنسان سواء كان ذكرا أو أنثى، فقيمته وصلاحه وتقواه هى المعيار المعتبر عند رب العالمين، ونعتقد أن المرأة والرجل متساويان فى التكليف أمام الله، فى الثواب والعقاب، وذلك لأنهم آمنوا بكلام ربهم، وقد أكد النبى الكريم صلى الله عليه وسلم على ذلك المعنى حيث أوصى بالنساء فقال : « استوصوا بالنساء خيرًا ». وفى بيان المساواة بينهما فى أصل العبودية والتكاليف الشرعية قال صلى الله عليه وسلم : «إن النساء شقائق الرجال»، الصورة واضحة وليست فى حاجة إلى مزايدة. الكثيرون فى البلدان العربية لديهم الأمل فى مزيد من الديمقراطية بعد الانتفاضات العربية. بينما هناك من يقول إنَّ الإسلام لا يسمح بالأساس بوجود الديمقراطية. فكيف ترى ذلك؟ هناك فارق بين الديمقراطية باعتبارها اداة واجراءات وبين النموذج المعرفى الليبرالى أو ابنته العلمانية، وكثير من الناس يخلط بينهما، فالديمقراطية التى هى محض أدوات نأخذها مع تطبيق رؤيتنا للإنسان والكون والحياة وما قبل ذلك وما بعده. بعد مرور نحو 30 عاماً على تجربة البنوك الإسلامية، هل هناك حاجة لإعادة النظر فيها؟ خاصة أن البعض يقول إنها مجرد واجهة إسلامية لممارسات ربوية.؟ كل شئ يحتاج إلى مراجعة تامة لتغير الزمان والمصالح ولتراكم الخبرات ، والنظر فى أى تجربة ومنها تجربة البنوك إنما يكون من أجل تحسينها وتطويرها والاستفادة من الخبرات المتركمة. ماهى الأسباب التى دعمت وساعدت على استفحال الحركات الإرهابية المتطرفة وانتشارها؟ السبب الرئيسى لنشأة مثل هذه التيارات والجماعات يتمثل فى البعد عن المنهج الوسطى المتمثل فى المنهج الأزهرى فقد تعلمنا فى الأزهر الشريف ما لم تتعلمه الدواعش والقاعدة والسلفية وكل من تدين دون أن يسلك تخصص علوم الدين، فهناك مجموعة من القواعد هى التى فرقت بيننا وبينهم، وهى التى تفرق بين الدين الصحيح وهو مبهر لكل البشر إذا علموه وعرفوه وبين الدين المغلوط الذى هو نتاج خاطئ لنصوص صحيحة، وهذه هى البلية العظمى وهى السبب فى رفضنا للدواعش منهجاً وسلوكاً وعقيدة وأخلاقاً، فهم يدعون إلى الهرم المقلوب وهرمنا معدول على سنن الله فى كونه. تطالعنا وسائل الإعلام يوميا بمشاهد مفجعة لقطع رقاب وتنكيل بالبشر بدعوى تطبيق الشريعة الإسلامية.فهل الإسلام به أى إشارة تجيز تلك الأعمال؟ أول ما تعلمناه فى الأزهر الشريف أن هناك أساساً للدين نفسر النصوص من خلاله، وأن أى فهم يخرج عن هذا الأساس أو يتناقض معه فهو فهم مرفوض، يُحتم على الباحث أن يعيد بحثه حتى لا يكون ممن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعضه أو ممن اتخذ إلهه هواه.أول هذا الأساس قوله سبحانه وتعالي: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)[الفاتحة :1]، وأن الرفق ما دخل فى شئ إلا زانه وأن هناك فارقا بين علم الدين وبين التدين، وبين العلم والمعلومات، وأخذنا فى بناء الهرم قاعدته واسعة وقمته ضيقة فعرفنا أنه عندما أُمرنا بالقتال، أُمرنا أن ندافع عن أنفسنا، وشرط ذلك بأن يكون فى سبيل الله، وأن يكون القتال تجاه من يقاتلوننا، ثم من غير عدوان، وهو ما يسمى بجهاد الدفع، قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ) [البقرة :190]، فهذا هو الأساس الذى سنفهم من خلاله ما صح من النصوص وليس العكس، وأما الدواعش فيفهمون أن نصوص القتال هى الأساس والأصل، فجعلوا الأصل فرعاً والفرع أصلاً، وهذا خلل أدى الى كل هذه الفتنة. صرحتم بأن نهضة الأمة لن تعود إلا بالتعليم الصحيح لمواجهة الفكر المتشدد فما هى الأسس التى يجب أن يكون عليها ولا تتوفر فى الأسلوب المتبع حاليا؟ نهضة الأمة لن تعود إلا بالتعليم الصحيح وخاصة تعليم اللغة العربية فهى لغة القرآن الكريم ، وهى أحد المفاتيح لتفسير القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من ناحية دلالات الألفاظ ومن ناحية التراكيب اللغوية ومن ناحية معرفة العام من الخاص والمطلق من المقيد، وبدونها لا يمكن الوصول إلى الفهم الصحيح للنصوص الشرعية ولذلك نرى من يريد أن يتلاعب بالدين من فرق الضلالة عبر العصور تبدأ بانكار اللغة العربية أو التلاعب بها حتى تصل إلى ما تريد، فمن علامات ضلالة الفكر إنكار اللغة دلالة وبلاغة وتركيباً. ومواجهة الفكر المتشدد والقدرة على فهم حقيقة الإسلام وتحقيق معادلة الفكر المستقيم لن يكون ذلك إلا بتعلم اللغة العربية ، وهذه النصيحة من نصائح الإمام عبد القادر البغدادى فى القرن الثانى عشر الهجرى وقد كان لديه مشروع للنهضة يبدأ من اللغة، ثم تأتى الخطوة الثانية - بعد تعلم اللغة العربية - استرجاع الأخلاق الحميدة ، والتصوف يساعد فى ذلك فلقد اهتم علماء الإسلام بالتصوف وهو طريق الله ، أما الخطوة الثالثة فهى أن يكون لنا ذاكرة قوية وذلك لن يكون إلا بالتوثيق الجيد للمعلومات. هل تعتقد أن الخلاف العقائدى بين أهل السنة والجماعة والشيعة يقود الى هذا الحد من الجرائم؟ الأزهر الشريف اعترف بالمذاهب الفقهية الثمانية، التى يقلدها المسلمون فى العالم فى عصرنا الحاضر، وهى الأربعة السنية (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) واثنان من الشيعة (وهما الجعفرية والزيدية) واثنان من خارج ذلك وهما (الإباضية والظاهرية) وهذه المذاهب الثمانية هى التى تكون الموسوعة الفقهية التى بدأت فى سنة 1960 بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وكان قبل ذلك قد أصدر الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت قرارًا باعتماد المذهب الجعفري، واعتماد الأخذ منه عند أهل السنة، وهذا كله نراه مسطورًا فى كتب الفريقين عبر التاريخ، يعرض هذا رأى هذا، ويعرض ذاك رأى الآخر مرة لمناقشته، ومرة لاعتماده، ومرة لنصرته وترجيحه، مما يدل على أنهما على دين واحد، وعلى قبلة واحدة هى الكعبة المشرفة، وعلى مصدر واحد هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يصومون شهر رمضان، لا يختلفون فيه، ويصلون الخمسة، ويحجون البيت، ويمكن أن نلخص الخلاف مع الشيعة فى خمسة نقاط كتبت عنها مقالات فى الأهرام. مصر تتجه الأن نحو البناء والتنمية فما الرسالة التى توجهها للحاكم والمحكومين؟ أوصى بالعمل الصحيح و الأمل الفسيح، فلا بناء لدولة حديثة قوية إلا بهاتين الركيزتين، لا نريد أن نسمع أن العامل يشتغل 28 دقيقة فى اليوم، نريد أن نسمع أنه قد أدمن العمل فهو لا يريد أن يذهب إلى بيته لأنه أحب عمله و لأنه بذل فيه مهجته، اللهم وفق رئيسنا وحكومتنا وشعبنا لما فيه الصلاح لمصرنا ووطننا.