الاعتراف بالمشكلة هو بداية التفكير السليم لحلها، فقد اعترف الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما كان مرشحاً محتملاً للرئاسة، بتغلغل الفساد فى مصر حتى أصبح الناس يمارسونه بصورة عادية فى حياتهم اليومية، دون محاسبة أو رقابة سواء من مؤسسات الدولة. وها هو الرئيس السيسى فى اليوم الثانى والثمانين من رئاسته بعد فوزه بإرادة شعبية وأغلبية كاسحة، يعلن الحرب على الفساد بكل صوره وأشكاله فى إجتماع اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد يوم 28 أغسطس الماضى بمقر الرقابة الإدارية - وذلك تنفيذا للدستور فى مادته ال 218 التى تؤكد التزام الدولة بمكافحة الفساد بكل صوره وأشكاله وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام ووضع ومتابعة تنفيذ استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد ، كما كلف الرئيس الحكومة بإتخاذ كافة التدابير التى تضمن سيادة القانون وتحديد الإجراءات الوقائية لمنع الفساد قبل أن يولد، وأهمها إثابة المحسن ومعاقبة المخطيء واختيار الكوادر بناء على معيار الكفاءة والنزاهة والقضاء على الواسطة والمحسوبية، و البدء فى محاسبة الفاسدين والمسئولين عن كافة أنواع الفساد. وياتى إنتقال السيسى من مرحلة الاعتراف بتغلغل الفساد فى مصر الى مرحلة إعلان الحرب عليه ومواجهته، على عكس موقف عدد من القادة العرب الذين اعترفوا أخيراً وبإستحياء بوجود الفساد فى دولهم ولكن بدرجات متفاوته متشدقين بالقول: «إنه لاتوجد دولة فى العالم تخلو من الفساد» وذلك اقتناعاً بما أطلقه المفسدون من مقولات خاطئة على غرار :«قليل من الفساد يصلح الاقتصاد» و «شيء من الفساد يصلح البلاد والعباد» و«الفساد خرسانة التنمية فى الدول النامية»!، ثم إن هؤلاء المفسدين يسألون: من منكم أيها المصريون والعرب لم يمارس الفساد الصغير للحصول على خدمات ليست من حقه عن طريق دفع مبالغ من المال رشوة وعلى عكس مايدعيه المفسدون والفاسدون وحماتهم المتغلغلون داخل السلطات الثلاث، زادت معدلات الفقر والبطالة والرشوة والجشع والأمية والواسطة بالإضافة إلى تباطؤ الإقتصاد ومشروعات التنمية وقصور ونقص الخدمات وقبل ذلك كله زيادة التكلفة التى يتحملها الاقتصاد القومى ويدفعها المواطن فى النهاية، كما تبوأ عدد غير قليل من الفاسدين فى مصر أرقى المواقع والمناصب وأصبحوا فى غيبة القانون والمحاسبة من أثرياء المجتمع ووجهائه ، يمارسون الفساد تحت جنح الظلام وظهر «فساد النيو لوك». حدث ذلك كله بسبب إنتشار الفساد فى مصر والوطن العربى بأنواعه المختلفة ومنها الفساد المتعددة الجنسيات الذى بلغ حجمه وفقاً لتقديرات البنك الدولى تريليون دولار، والفساد السياسى حيث بلغت الرشاوى للقيادات والسياسيين العرب 500 مليار دولار سنوياً، والفساد الكبير بين رؤساء الدول والحكومات والوزراء وكبار الموظفين ورجال الأعمال والفساد الصغير بين الأفراد العاديين، ناهيك عن الأشكال الأخرى من الفساد : التشريعى والمالى والإدارى أيضاً، فقد بلغ حجم الفساد المالى والإدارى فى مصر 200 مليار جنيه (تقديرات الجهاز المركزى للمحاسبات ونتيجة لذلك إحتلت مصر المرتبة ال114 من مؤشر مدركات الفساد الصادرة من منظمة الشفافية الدولية عام 2013 ، بينما بلغ حجم الفساد العربى 500 مليار دولاء سنوياً (30% من حجم الفساد العالمي). والسؤال الآن : هل تنجح مصر الجديدة بعد ثورتي: 25يناير و30 يونيو العظيمتين فى مكافحة الفساد، فتعود قوية وتتبوأ مكانتها العربية والعالمية فى القضاء عليه، وعندئذ يشعر الفاسد انه منبوذ وأن الأخرين قد يشيرون إليه قائلين : «إمسك فاسد». لمزيد من مقالات فرحات حسام الدين