كانت زراعة النيلة معروفة في مصر وبقيت على حالتها القديمة حتى سنة 1826، الي ان جلب محمد علي باشا في تلك السنة بذور النيلة الهندية، واستحضر بعض الهنود الأخصائيين في زراعتها، فأخذت زراعتها في النمو والتقدم، واحتكرت الحكومة تجارتها. وقد جاء اسم نبات «النيلة» من نهر النيل، وأطلق عليه أيضا اسم «انديجو» ومعناها من الهند. وهو نبات من فصيلة البقوليات, كذلك يعتبر عشبا طبيا يشفى من أوجاع المعدة. يمكننا تتبع حكايته بالتفصيل في المتحف البريطاني بالصور والمخطوطات التي توضح كيف تنقل نبات النيلة من السودان ومصر والحضارة المصرية الي المغرب وتونس واليمن وكيف وصل الي فرنسا وانجلترا ووجدته في أمريكا اللاتينية والصين. كما ان كتاب Indigo للكاتبة «جييني بالفور» تتبع سيرة هذا النبات واستخداماته في كل الثقافات. فقد كان نبات النيلة يزرع في مصر كما روى المقريزي, وكانت تنمو بريا في بلاد النوبة وكردفان وسنار والحبشة. وقد ذكرت مسز «كروفت» وبعض المنقبين للآثار مثل «فيستر», ان رداء الملك توت عنخ آمون كان مصبوغا بلون النيلة الأزرق. أيضا يحتوى كتاب « حفر على الخشب» ان في سنة 1798 في عصر نابليون كان للصناع ورش لصباغة النيلة وكان يتم زراعته في الفيوم في بداية العصر المسيحي. ويمكننا ان نشاهد في الصور قطعة قماش من الكتان بصبغة النيلة بها رسم قبطي , من القرن الأول الي الرابع بعد الميلاد . وهذا ما يؤكده «فيتروفيس: الذي عاش في القرن الأول بعد الميلاد أيضا. جدير بالذكر أنه كان يتم تخمير أوراق نبات النيلة ونقعها في الماء, وتجميع مادة كثيفة لونها أخضر ثم تخلط بالرماد ليتحول لونها الي الأزرق الجميل. وقد كانت الهند متفوقة في زراعته حتى نهاية القرن الثامن عشر حتي أنها كانت القطر الوحيد الذي يصدر هذه الصبغة لجميع أنحاء العالم حيث كانت تزرع أكثر من مليون فدان تدر عليها أكثر من مليون جنيه استرلينى في هذا الوقت. أما في مصر, فكانت النيلة مظهرا من مظاهر الحزن لدى السيدات خلال الجنازات وفي الهند كوسيلة لإخفاء البكاء الشديد، واقترنت النيلة بالمصائب الشديدة، ولذا فمصطلح النيلة اقترن بالمصائب. ولكن لا يمكن ان ننكر أنها تعتبر من أقدم الصبغات الثابتة ومازالت اللفائف التي استخدمها أجدادنا قدماء المصريين في لف المومياوات بعد التحنيط لونها الأزرق واضح وثابت حتى اليوم. وفي مطلع القرن التاسع عشر ابتكر عالم الكيمياء الإنجليزي «بيركينز» آلية لاستخراج الألوان صناعيا بدون اللجوء إلى النباتات ولا الرماد. كما أن شركات الكيماويات الألمانية تفوقت في مجال صناعة الصباغة، وكانت شركة «باير» من أولى الشركات التي صنعت الصبغة الزرقاء لتلوين الأقمشة وإحدى أهم المفاجآت في هذا المجال هي بنطلونات «الجينز» الزرقاء التي غزت عالم الأزياء للرجال والنساء خلال المائة عام الأخيرة.. ولكن لا نجد كل هذه المعلومات بالرغم من أن هناك بالقرب من سوهاج « تل اتريب» توجد مصابغ منذ العصر الروماني تثبت وجود صباغة «النيلة» وفى نفس الوقت عثرت البعثة الإيطالية على مثيلاتها في «كوم البريجات». وأخيرا لابد من عرض كل هذا التراث الضائع في متحف وطني في مصر.