إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    استقرار أسعار الذهب اليوم الإثنين في منتصف التعاملات.. وترقب لاجتماع الفيدرالي    رئيس الشركة القابضة لمصرللطيران يلتقي سفير إيطاليا بالقاهرة لتعزيز التعاون    رئيس الوزراء يستعرض المخطط الهيكلي والرؤية التنموية لمنطقة "غرب رأس الحكمة"    تنميه تُعزّز ريادتها في أمن المعلومات بحصولها على شهادة ISO 27001 وتجديد شهادة PCI DSS للعام الثاني على التوالي    زيلينسكي يلتقي مسؤولين في الناتو والاتحاد الأوروبي الاثنين في بروكسل    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 70 ألفا و365 شهيدا    هانز فليك: مواجهة فرانكفورت صعبة.. وجارسيا الحارس رقم 1 لبرشلونة    السعودية وقطر تؤكدان على التعاون الاستثماري والرقمية    موعد مباراة مصر والأردن في كأس العرب والقنوات الناقلة    تحذير عاجل من الأرصاد: أمطار غزيرة وبرق ورعد على هذه المحافظات وتصل إلى القاهرة    أسماء مصابي حادث انقلاب ميكروباص على طريق القاهرة- الإسكندرية الزراعي بطوخ    بعد قرار أستراليا.. الدول التي حظرت استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للأطفال    دعوة إلى إضراب مفتوح في متحف اللوفر اعتبارا من 15 ديسمبر    إطلاق الإعلان التشويقي لفيلم "مسألة حياة أو موت" من بطولة سارة طيبة ويعقوب الفرحان    اليوم.. زيلينسكي يجتمع مع مسئولين أوروبيين    ب100 مليار جنيه.. نتائج أعمال إيجابية ل "بنك بيت التمويل الكويتي – مصر" بنهاية سبتمبر 2025    مصدر بالزمالك: تصريحات وزير الإسكان تسكت المشككين.. ونسعى لاستعادة الأرض    بعد تعثر صفقة دياباتي .. الأهلي يكثف مفاوضاته لضم الكولومبي بابلو الصباغ    البورصة تخسر 14 مليار جنيه في ختام تعاملات اليوم    لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي تكرم خريجي الورش التدريبية المتخصصة    ندوة بالإسكندرية تحذر من العنف في الأعمال الدرامية والثقافة الأجنبية بوسائل التواصل    محافظ بني سويف يكرم مشرف بالإسعاف لإنقاذه عامل نظافة تعرض لتوقف تنفس مفاجئ أثناء عمله    لتعزيز التعاون بين القطاع القضائي والمؤسسات الأكاديمية، مساعد وزير العدل يزور حقوق عين شمس    بسبب الصيانة، قطع مياه الشرب 12 ساعة عن بعض قرى الفيوم    «هجرة الماء» يحصد أفضل سينوغرافيا بمهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    تعليق ناري من محمد فراج على انتقادات دوره في فيلم الست    ضبط المدير المسئول عن إدارة كيان تعليمى "دون ترخيص" بالجيزة    عاجل- الاحتلال الإسرائيلى يواصل خروقاته لوقف إطلاق النار لليوم ال59 وقصف مكثف يطال غزة    موجة تعيينات قضائية غير مسبوقة لدفعات 2024.. فتح باب التقديم في جميع الهيئات لتجديد الدماء وتمكين الشباب    جيرارد مارتن: أشعر بالراحة كقلب دفاع.. واللعب في كامب نو محفز    مسار يختتم استعداداته للبنك الأهلي في مواجهة مؤجلة بدوري الكرة النسائية    محافظ جنوب سيناء وسفراء قبرص واليونان يهنئون مطران دير سانت كاترين بذكرى استشهاد القديسة كاترينا    بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة فى حفظ القرآن للإناث الكبار.. فيديو وصور    الصحة: توفير ألبان الأطفال العلاجية بمراكز الأمراض الوراثية مجانا    جامعة بدر تطلق النسخة الأولى من قمة التكنولوجيا والأعمال الدولية 2025    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    قرار جديد من المحكمة بشأن المتهمين في واقعة السباح يوسف    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    أخصائي تغذية: العسل الأسود أهم فائدة من عسل النحل    محمود جهاد يقود وسط الزمالك في لقاء كهرباء الإسماعيلية    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    رئيس الوزراء: مصر تتوسع في البرامج التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    نيللي كريم تعلن انطلاق تصوير مسلسل "على قد الحب"    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داعش وإسرائيل وشاؤول منشَّة
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 09 - 2014

استوقفنى موزع البريد بالكلية التى أعمل بها، وسألنى بتشكك عما إذا كنت سأتسلم منه خطاباً لى أو يرده إلى الجهة التى جاء منها. وعندما سألته عن السبب الذى يتوقع عدم تسلمى للخطاب من أجله، فإنه قد ردَّ قائلاً: لأنى قد وجدته مفتوحاً هكذا، ورفعه فى يده.
التقطت منه الخطاب لاكتشف ما وراءه، فإذا بى أجده مختوماً بخاتم مكتب بريد فى القدس، وعليه كتابة بالعبرية، فتفهمّت الدوافع وراء فتحه.فإنه يلزم الوعى بأن التأكيد على ضرورة احترام الخصوصية كأحد الحقوق المقررة للفرد، لا ينبغى أن يجعل المرء يتجاهل حقيقة أن الإنسان ليس محض وجودٍ فردى منعزل، ولهذا فإن ثمة حقوقاً للبشرتعلو على ما لكل واحدٍ منهم من الحق كفرد. وعلى أى الأحوال، فإنى قمت بسحب الأوراق الثلاث المطوية فى المظروف، فوجدت مخاطبة من الكاتب الإسرائيلى «شاءول منشَّة» يطلب منى فيها التعليق على مقاله الذى أرفقه بالرسالة، وكان قد نشره بالعربية على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية،لينتقد فيه - ببعض الحدة والسخرية- ما ذهبت إليه من المماثلة بين إسرائيل وداعش.
ولعله يلزم البدء من بيان الأطروحة القائلة بالتماثل بين داعش وإسرائيل، ثم مناقشة محاججة شاءول على أن هذا التماثل بينهما هو - على قوله - ضربٌ من الخيال المجنَّح. والحق أن مقارنة بين داعش وإسرائيل تقف عند حدود السطح لابد أن تؤول إلى ما انتهى إليه السيد منشَّة؛ حيث تكاد إسرائيل تكون تمثيلاً للحداثة فى أعلى تجلياتها، وذلك بينما تسعى داعش إلى إخراج ما فى بطون كتب التاريخ القديمة ليتجول حياً فى عوالم العرب رغم كل دمويته وبؤسه. ولكن تحليلاً يتجاوز هذا التباين السطحي، لابد أن ينتهى إلى إدراك التماثل بينهما قائماً على مستوى الأفكار التأسيسية الكبري. ولعل الفكرة التأسيسية الكبرى الجامعة بين داعش وإسرائيل تتمثل فى الإيمان بخصوصية الجماعة وسموها الخاص. فرغم ما هو معلومٌ للجميع من علمانية الإيديولوجيا الصهيونية التى أقامت دولة إسرائيل، فإن هذه الإيديولوجيا (العلمانية!) قد عملت على استدعاء كل ميراث العقائد - حتى لا يُقال الأساطير - القديمة لتؤسس عليها دولتها؛ والتى كان من أهمها الاعتقاد فى الاصطفاء الإلهى والوعد بالانتصار النهائى والتمكين فى الأرض التى وعدهم بها الرب، وغيرها من معتقداتٍ وأساطير تظل للآن هى المغذية للفكرة الصهيونية. وإذ هو الاصطفاء الإلهى للجماعة والوعد لها بالتمكين فى الأرض، فإن الكيان السياسى الذى ستحقق من خلاله الجماعة تمكينها لابد أن يكون كياناً نقياً خالصاً، لا مكان فيه لغير المؤمنين بما تعتقد فيه. ومن هنا أن المطلب الإسرائيلى الأهم من الفلسطينيين والعرب الآن هو ضرورة الاعتراف بإسرائيل كدولة لليهود دون سواهم؛ وبما يعنيه ذلك من الاعتقاد فى إيديولوجيا النقاء التى تؤول إلى وجوب طرد الأغيار. إن ذلك يعنى أن الإيديولوجيا العلمانية لا تفعل إلا أن تؤسس نفسها على ما يرقد فى بطون التاريخ والكتب الأقدم؛ وبما يعنيه ذلك من التماثل الكامل مع ما تفعله داعش من استدعاء ما كان الناس قد تصوروه تاريخاً مدفوناُ فى بطون المدونات القديمة، فإذا بهم يجدونه حياً يتجول بينهم. وفقط، فإنه بينما يتخفى هذا المنبعث من بطون التاريخ فى إسرائيل وراء براقع الحداثة الكثيفة، فإنه يعود فى حالة داعش على نفس هيئته الساذجة، مرتدياً سراويله القديمة نفسها.
ومن جهتها، فإن داعش لا تختلف فى امتلاكها لنفس أفكار الاختيار والوعد بالتمكين وغيرها من أفكار اصطفائية؛ وبما يعنيه ذلك من الاعتقاد فى ايديولوجيا النقاء التى تجبر حامليها على ممارسة ضروبٍ من التطهير لكل المغايرين فى الدين أو الطائفة أو حتى الاختلاف تحت مظلة نفس الفكرة بمثل ما هو حاصل بين داعش وجبهة النصرة الآن. وهنا يلزم التنويه بأن الفكرة الكامنة عن الاصطفاء والنقاء التى يقوم عليها الكيان السياسى لإسرائيل وداعش هى ما يؤسس، فى العمق، لكل العنف الذى يصدر عن هذين الكيانين. وفقط فإن التباين بينهما يأتى من أن هذا العنف قد يكون نشطاً فى حالة وخاملاً فى أخري. فإذ تستدعى مرحلة التأسيس زيادة فى نشاط العنف، فإن لحظة أخرى فى مسار الوجود التاريخى قد تجعله خاملاً، على أن يكون معلوماً أن خموله لا يعنى الغياب الكامل له أبداً.
وإذا كان ذلك هو ما يؤسس، فى العمق، للتماثل بين داعش وإسرائيل، فإن السيد «شاءول منشَّة» قد راح يتجاهل ذلك التماثل البنيوى الذى لا يمكن القفز فوقه، وأدار انشغاله على إظهار التباين بين إسرائيل الراهنة، وبين داعش الآن من حيث ما يتعلق بأساليب الحياة. وإذا كان أحداً لا يقدر على إنكار هذا التباين، فإن المراوغة هنا تتمثل فى سكوت السيد شاءول عن السبب العميق فى هذا التباين. إنه يريد أن يؤسس على ما يراه من التباين بين إسرائيل وداعش، أنهما لا يقومان على الفكرة نفسها التى تؤسس للعنف. وينسى أن التباين بينهما إنما يأتى من حقيقة أن الفكرة الواحدة لا تعمل بطريقة واحدة فى سياقات تاريخية متباينة؛ وبمعنى أن اختلاف السياق التاريخى يجعل الفكرة تعمل بطرائق مختلفة. إن ذلك يعنى أن التباين بين إسرائيل وداعش لا يعنى أن الفكرة التى تقوم عليها إسرائيل تغاير تلك التى تقوم عليها داعش، بقدر ما يعنى أنهما يتأسسان على نفس الفكرة الاصطفائية الواحدة.
ولكى يتأكد السيد «منشَّة» من التماثل بين داعش وإسرائيل، فإنه ليس عليه إلا أن يعود إلى تاريخ المذابح والدماء الذى انبعثت منه إسرائيل. ولعله يدرك حينها أن القرابة مع داعش ليست فقط قرابة جغرافية، بل أيضاً قرابة تاريخ....
لمزيد من مقالات د.على مبروك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.