المصالحة الوطنية هي شكل من أشكال العدالة الانتقالية التي هى ضرورية لإعادة تأسيس الأمة على أسس شرعية قانونية وتعددية وديموقراطية، وبعد مرور أربعة أعوام على الثورة وإسقاط نظامين أصبحت هناك حاجة ماسة لعقد مصالحة وطنية مع تفاقم حدة الاستقطاب والانقسام بالمجتمع المصرى وبالتأكيد مع كل تلك الدماء التى سالت منذ 30 يونيو وحتى الآن أصبحت المصالحة نفسها كلمة سيئة السمعة يتعرض من يطالب بها للهجوم الشديد ويتهم أحياناً بالخيانة! بسبب انتشار المفهوم الخاطئ حول كونها تعنى العفو العام وإفلات المذنبين من العقاب، وهو غير صحيح بالمرة, لأن المصالحة كمشروع مجتمعي طويل الأمد تعني إنجاز توافق وطني بين مختلف مكونات المجتمع حول خطة متكاملة محددة تسترشد بالمبادئ الأساسية المستخلصة من تجارب فض النزاعات بالطرق الهادئة و تخضع لمضمون القانون و إجراءاته الملزمة و الآمرة للدولة و حكوماتها المتعاقبة. فهى نتيجة حتمية تمر بها عادة الدول التى تعانى من خلافات جذرية أو صراعات داخلية، وتُعد من أهم مفردات أى تسوية سياسية تنشأ على أساسها علاقة قائمة على التسامح والعدل بين الأطراف السياسية والمجتمعية بهدف طى صفحة الماضى وتحقيق
ولكن فى مصر الآن..هل المصالحة الوطنية ممكنة؟ فى كتابه ماذا حدث للمصريين تناول تطور المجتمع المصرى فى نصف قرن (1945 1995). وفى كتاب وصف مصر فى نهاية القرن العشرين قدم تصورا بارعا لحال المجتمع فى الاقتصاد والثقافة وفى العلاقات الاجتماعية ، أيضا قام بتحليل ونقد الأوضاع السياسية والاجتماعية لمصر وللمصريين فى كتابه مصر والمصريون فى عهد مبارك 1981- 2008 لهذا تأتى أهمية شهادة الكاتب والمؤرخ الكبير الدكتور جلال أمين لحالة الإنقسام التى لم تشهد مثيلها مصر عبر تاريخها الطويل ، ومبادرات المصالحة وتحقيق الوفاق الوطنى . فكان هذا الحوار : وصلت حدة الانقسام فى المجتمع، إلى إطلاق دعوات عديدة للمصالحة الوطنية ، فكيف ترى الوضع ؟ ومن المسئول عنه ؟. فى محاضرة ألقيتها منذ عشرة شهور فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة ، سئلت مثل هذا السؤال فقلت : إن المشكلة تتلخص فى أننا فى مصر لدينا تعبير عما لا يعجبنا فنقول آخر زمن ، مثلا شباب آخر زمن ، أو بنات آخر زمن. وأنا أقول الآن ، هذه ثورات آخر زمن . فالعادة فى التاريخ أنه حينما تقوم ثورة ، يتولى الحكم من قام بالثورة . حدث هذا فى الثورات الأمريكية والفرنسية والروسية ، وحتى فى ثورة 1952 فى مصر ، عندما قام الضباط بالانقلاب أو الثورة ، وإستولوا على السلطة . وظلوا يحكمون حتى ماتوا . أما فى ثورة 25 يناير 2011 ، فالذين قاموا بالثورة هم أبعد الناس عن الحكم . نحو خمس عشرة مبادرة للمصالحة الوطنية لم تحقق أي نتائج تذكر ..برأيك لماذا ؟. الغرض من المبادرات الهادفة إلى المصالحة إنهاء المواجهة بين ما يعرف بتيار الإسلام السياسى وبين السلطة الحاكمة ، وما أفهمه أيضا عن المصالحة هو أن يتعهد أصحاب تيار الإسلام السياسى بالتوقف عن أعمال الإرهاب ، وعن حشد المظاهرات وتهديد الأمن ، وفى المقابل تمتنع السلطة القائمة عن تعقبهم والتنكيل بهم . ولكنى غير مندهش بالمرة من فشل هذه المبادرات . وهذا يعود إلى عدة أسباب ، أولها طبيعة مطالب كلا الطرفين ، فكثير من أصحاب تيار الإسلام السياسى إن لم يكن معظمهم يصرون على عودة الرئيس المعزول محمد مرسى ، وهذا ما يرفضه النظام القائم رفضا باتا ، ولأسباب وجيهة فى رأيي ، إذ إن عددا كافيا من المصريين عبروا عن رفضهم للرئيس الأسبق ، وللنظام الذى كان يمثله . من الأسباب أيضا أن بعض عناصر تيار الإسلام السياسى ممول ومدعوم من الخارج ، من جانب قوى لا تريد إتمام عمليات المصالحة . من ناحية أخرى يرفض النظام الحالى ، ليس فقط عودة الرئيس المعزول ، بل كذلك أى خلط بين الدين والسلطة ، وأعتقد أننا عانينا مما ارتكب ومازال من خطايا وجرائم نتيجة هذا الخلط المفزع . والذى نراه من التنظيم المسمى داعش فى العراق وخارجها يكفى للإصرار على إنهاء هذه العلاقة بين الدين والسلطة . برأيك.. لماذا لا يؤخذ بنموذج المصالحة ، الذى طبقه مانديلا فى جنوب إفريقيا ، وأنهى به حالة الإنقسام والعداء بين البيض والسود ، وحقق الإستقرار فى البلاد ؟. أعتقد بأن الذى ساعد على قبول الزعماء البيض فتح صفحة جديد أنهم لم يشعروا بأن لديهم بديلا إذا لم يقبلوا ذلك فضلا علي إنعدام أى تأييد لهم من قوى خارجية ، بينما فى حالتنا نحن ، مازال تيار الإسلام السياسى يعتقد بأن له مستقبلا ، وما زال يحظى بالدعم من بعض العناصر الخارجية . ما هى المبادرة التى يمكن أن يوافق عليها الشعب المصرى والسلطة والنخب ، لإنهاء حالة الانقسام الحاد فى المشهد السياسى ؟. يمكننى تصور مضمون مبادرة ترضى الشعب والسلطة القائمة وجزءا من النخب غير المتعاطفة مع تيار الإسلام السياسى، ولكن ما هى فرصة نجاح مبادرة كهذه إذا كان قادة تيار الإسلام السياسى يرفضونها رفضا تاما ؟. فى حال نجاح إحدى المبادرات.. هل يعنى هذا عودة الإخوان إلى المشهد ، ولعب دور ما فى الحياة السياسية؟. أعتقد أنه ما إذا كان للإخوان مستقبل سياسى من عدمه يتوقف على وجود أو عدم وجود دعم خارجى لهم . أظن أن 30 يونيو 2013 وما بعدها أكد أن معظم المصريين يرفضون حكم الإخوان ، ويترتب على هذا أن الإخوان لن ينجحوا إلا بدعم خارجى . وهذا هو الذى سوف يحدد مستقبلهم فى الحياة السياسية فى مصر . ما تفسيرك للدعم والتأييد الشعبى للإخوان قبل تجربتهم فى حكم البلاد؟. ولماذا تراجعت شعبيتهم فى مصر والمنطقة العربية ؟. سببه يرجع إلى قوة الشعور الدينى لدى المصريين، واستغلال الإخوان وأصحاب تيار الإسلام السياسى ، هذا الشعور لمصلحة مشروعهم , ومحاولتهم تهريب السياسة داخل الدين . ولكن تجربة حكم الرئيس المعزول مرسى أفقدتهم الكثير من هذا التأييد الشعبى . وكثير جدا من المتدينين فى مصر والعالم العربى أصبحوا غير متعاطفين مع الإخوان بعد هذه التجربة . الدكتور حسن نافعة طرح مبادرة للمصالحة فى فبراير الماضى واقترح تشكيل لجنة حكماء تضمنت مشاركتكم فيها ..فكيف كان موقفكم حينها ؟. كل معلوماتى عن هذا الطرح تتلخص فيما قرأته فى الصحافة عن هذه المبادرة التى تضمنت إسمى ، ولكن لم يحدث أى اتصال بى بشأنها لا من الدكتور نافعة ولا من غيره . كما أننى لم أقرأ اسمى مقترنا بهذه المبادرة بعد ذلك . وإذا كانت قد عرضت على المشاركة لرفضت, للأسباب التى بينتها فى بداية الحوار من أنه لا مستقبل لمثل هذه المبادرات . ماذا حدث للإخوان حتى ينكروا ثورة الشعب علي حكمهم فى 30 يونيو.. وكيف استطاعوا تجاهل هذا الحدث التاريخى ؟. كنت خارج مصر فى 30 يونيو 2013 ، ولكن كل ما قرأته وسمعته وشاهدته عما حدث فى ذلك اليوم يدل على أن الأعداد التى خرجت ضد نظام الرئيس المعزول محمد مرسى كانت كثيرة جدا ، ولهذا أعتقد أنه من الظلم محاولة التقليل من حجمها أو أهميتها . كيف ترى مستقبل مصر فى ظل عدم الاستقرار فى المشهد السياسى ؟. رغم أن الوضع فى مصر الآن يمر بأزمة شديدة فإننى متفائل على المدى الطويل . ما أكثر ما مرت به مصر من أزمات وعثرات ونكسات خلال القرنين الماضيين ، ولكن الخط العام نحوالتقدم وليس التراجع . حسن نافعة: القانون هو الضامن الوحيد لإنقاذ الوطن إضافة لكونه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ، والأستاذ الزائر بالعديد من الجامعات ، والمحاضر فى معاهد الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية فى مصر وعدد من الدول العربية ، عمل الدكتور حسن نافعة حتى وقت قريب مشرفا على النشاط الثقافى فى نادى أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة ، وأمينا عاما للجمعية العربية للعلوم السياسية ، ومنسقا عاما للحملة المصرية ضد التوريث ثم للجمعية الوطنية للتغيير . وهو من أبرز رموز النخبة المثقفة فى مصر ، الذين تناولوا بالنقد الموضوعى البناء الأوضاع فى مصر : من ذلك ، التصدى لمحاولات النظام الأسبق احتكار الحياة السياسية والبحث عن مخرج تصالحى للأزمة السياسية الحالية. سألنا الدكتور حسن نافعة : نسب إليك طرح مبادرتين للمصالحة الوطنية ،الأولى فى أكتوير 2013 ، والثانية فى فبراير الماضى.. فماذا تم بشأنهما ؟ هذه المعلومات غير دقيقة تماما ، لم أتقدم بمبادرات فى واقع الأمر، ولم يكن فى ذهنى ذلك . كل ما حدث أنه خلال محادثة تليفونية مع اللواء محمد العصار بعد فض رابعة والنهضة ، وتزايد العمليات الإرهابية . كان ملخص كلامى أن الوسائل الأمنية وحدها لا تكفى للتعامل مع الأزمة السياسية الراهنة ، وأنه يتعين على الدولة والنظام السياسى رؤية سياسية لكيفية الخروج منها ، فكان رده الترحيب بأى أفكار فى هذا الشأن ، وطالبنى بكتابة الأفكار فأرسلتها عبر بريده الإلكترونى . ولم يكن فى ذهنى سوى تشخيص للأزمة وكيفية الخروج منها ، وتضمنت الورقة التي أعددتها - ولا يمكن إطلاق مسمى مبادرة عليها - ، جزءين، الأول يتعلق بتشخيص الأزمة ، والثاني كيفية الخروج منها . ولم أقدم شخصي كوسيط ، ولم أحدد دور كل طرف من أطراف الأزمة وإنما تحدثت عن آلية تضمنت شقين :الأول لجنة حكماء من المفكرين وليس من الأحزاب والقوى السياسية ، مهمتها مناقشة المبادئ العامة التي يتعين علي أساسها إدارة الدولة فى المرحلة المقبلة ، وأن تكون هذه إدارة تسمح لكل الأطراف ، سواء كانوا إخوانا أو غيرهم، بالمشاركة فى النظام السياسى لإنقاذ البلاد . الشق الثانى يتعلق بمفاوضات بين كل رموز وفصائل المجتمع ، وهما طرفان ، الأول يوافق على خريطة الطريق ، والثانى يعترض عليها ، وأن تتضمن مائدة المفاوضات وسيطا محايدا يتم التوافق عليه . ماذا عن العنف الذى صبغ الحياة السياسية قبل وفى أثناء الأزمة ؟. تضمنت الورقة شقا آخر تفاوضيا ، بعد التوافق على المبادىء العامة ، وتطبيقها وتحولها إلى مسائل إجرائية ، وأن يتم تشكيل لجنة تحقيق فى كل أشكال العنف منذ أحداث ثورة 25 يناير . واقترحت أنه إذا ما تعثرت المفاوضات ، يعادالأمر إلى لجنة الحكماء لتذليل العقبات . ولم يتم الرد على الورقة منذ ذلك التاريخ . وما أعدت طرحه خلال فبراير الماضى هو الذى اقترحته من قبل فى أكتوبر . وماذا عن شباب الإخوان المنشقين ، وما تردد حول تحالفك معهم لتقديم مبادرة جديدة ، الأمر الذى تسبب فى تعرضك لهجوم شديد ؟. بالفعل طلب منى شباب الإخوان المنشقون اللقاء فرحبت بهم ، واقترحوا إعادة إحياء المبادرة مع إدخال تعديلات تسمح بانضمام قوى سياسية إلى المبادرة . فكان ردى عليهم :أن القضية ليست متعلقة بنصوص المبادرة ولا باقتراحات حل الأزمة ، وإنما تتعلق بمدى توافق الأحزاب الإسلامية حول رؤية موحدة ، وطالبت شباب الإخوان المنشقين بالتواصل مع أحزاب البناء والتنمية والوسط ومع الإخوان المسلمين وكل فصائل القوى الإسلامية ، وأنه فى حال التوافق بينهم جميعا على مخرج للأزمة ، يمكننا طرح ما تم التوصل إليه على الرأى العام والقوى السياسية وعلى الدولة لتوفير أرضية مشتركة . وأبديت استعدادى لتقديم العون والمساعدة لأى طرف لإنهاء الأزمة . ما هو الحل برأيك ؟. يجب أن يكون هناك حوار بين جميع الأطراف فى ظل قواعد معينة ، ويجب أن يستمع كل طرف إلى الآخر ، وتكون هناك آليات محددة للمحاسبة ، وأن يدار النظام السياسى بشفافية. دون ذلك لن يحدث أى تقدم لهذا البلد . رغم ترحيبى بخروج الشعب فى 30 يونيو وبما قام به المشير السيسى فى 3 يوليو, إلا أن التطورات التى أعقبت ذلك تشعرنى بالقلق ولا أرى أي بوادر لا من الشعب ولا من المجتمع للاتجاه وبشكل طبيعى وصحيح نحو الخروج من المأزق الراهن . هناك مشكلة فى النخب السياسية وفى الإعلام والقضاء ، الفساد وصل إلى كل المؤسسات بما في ذلك مؤسسة الجامعة ومراكز البحث العلمى ، ونسأل الله أن يوفق الرئيس السيسى ويساعده على اختيار مساعدين ومستشارين أكثر فهما وتقديرا للوضع المعقد والسيىء للدولة . لكن الدولة وقياداتها يعملون بجهد لإخراج البلاد من أزمتها ،وتحقيق أهداف ثورتى 25 يناير و30 يونيو.. فما المشكلة إذن ؟. الشعب المصرى عودنا على أنه قادر على صناعة المعجزات فى اللحظات الصعبة ، وكانت ثورته معجزة ومبهرة ، وللأسف تكالب الجميع بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين لتقاسم النتائج ، وسرقت الجماعة الثورة وارتكبت الكثير من الأخطاء خلال إدارتها للبلاد ، وبعد هزيمتها سياسيا تبنت استراتيجية شديدة الخطورة على الوطن وهى الإرهاب. فالجماعة لم تكتف بسرقة الثورة ، ولكنها تريد أن تعرقل أي تقدم فى البلاد ،بمحاولة استنزاف النظام الحالي . وللأسف فإن النظام يرد على محاولاتهم تلك باستراتيجية الاستئصال ، وقد حذرت من أن كل الإستراتيجيتين ستؤديان إلى تدمير البلاد . الرئيس السيسى يراهن على أنه سوف يخرج من هذا المأزق بتحويل مصر إلى ورشة عمل كبرى ، وأن الشعب سيتوحد على قلب رجل واحد ، وانا لا أتفق مع هذه الرؤية ، رغم تمنياتى بنجاحها، وأؤكد ضرورة أن يكون هناك إلى جانب هذا ، رؤية سياسية وأخرى أمنية ، تأخذ فى الاعتبار الجانب الفكرى للمشكلة ، لأنه لا يمكن هزيمة الفكرة بالمدفع . ما مصلحة السلطة الحاكمة فى عدم الاستجابة لمبادرات المصالحة ؟. القضية ليست مدى التجاوب مع مبادرات المصالحة الوطنية ، لكنها تتمثل فى أن السلطة لديها قناعة بأنها قادرة على أن تلحق الهزيمة بجماعة الإخوان وبتيار الإسلام السياسي ، وتنظيم الإخوان وأنصاره لديهم نفس القناعة ،ويؤمنون بقدرتهم على استنزاف النظام ، والحيلولة دون نجاحه ، وبالتالي سقوطه ثمرة ناضجة ، وفى رأىى أن هذا يعدخطأ من جانب الطرفين ، وأتساءل عما إذا كان النظام الحاكم ينتظر الوقت المناسب لطرح مبادرته لتحقيق المصالحة الوطنية . لكن في جميع الأحوال لابد من أن تكون هناك رؤية سياسية لحل الأزمة . لا يغيب عن المشهد أنه مثلما سرقت جماعة الإخوان ثورة 25 يناير ، هناك شبكة مصالح مرتبطة بنظام الرئيس المخلوع مبارك ، وتريد أيضا سرقة ثورة 30 يونيو. إن ثورة يناير التى أعتبرها إحدى أهم ثورات العالم ، لها أهداف واضحة تتمثل فى الحرية الفردية والجماعية والعدالة الاجتماعية والكرامة والخبز ، والشعب ينتظر تحقيق الأهداف وسوف يصفق للشخص أو للحزب الذى يحققها ، ولن يعود الشعب إلى ما كان عليه قبل ثورة 25 يناير . هل تعتقد أن استقواء تنظيم الإخوان بالخارج يعد السبب الرئيسي لفشل مبادرات الوفاق الوطني ؟. علينا أن نميز بين وجود تنظيم عالمى لجماعة الإخوان بحكم تكوينها ، وبين فكرة استقوائهم بالخارج . الجماعة تدرك أن الاستقواء هو أولا دليل ضعف ، ثانيا هو وسيلة تدمير ذاتى ، لأن الشعب المصري لن يرضى عن أي جماعة تستقوي بالخارج . وحتى إذا استقوت الجماعة بالخارج ، فهذا لن يساعدها لا على استعادة قوتها ولا نفوذها ولا هيبتها . لكن الجماعة بحكم تكوينها الأيديولوجى وبنيتها التنظيمية هى جزء من تنظيم عالمى يؤمن بفكرة الخلافة الإسلامية . وهى فكرة تمثل القفز نحو المجهول . إذ أن فكرة الوحدة العربية أصلا فشلت حتى هذه اللحظة ، فكيف يمكن القفز فوقها لنصل إلى الوحدة الإسلامية ؟ بالتأكيد أؤيد تحقيق الوحدة الإسلامية والوحدة العربية ، لكن يجب أن يتحقق قبل ذلك الوحدة الوطنية . تيار الإسلام السياسى يقسم المشهد السياسى الراهن إلى قوى متحالفة مع ما يسمونه العسكر ، والثانى مع ما يسمونه الشرعية .. فما رأيك ؟. لا أرحب بمصطلح العسكر ولا أستخدمه ، وتحالف الشرعية ليس تحالفا لدعمها ، لأن شرعية حكم مرسى سقطت منذ الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر 2012 ، وتجسد هذا السقوط بخروج الشعب فى 30 يونيو . كنت أحد الذين أيدوا حركة تمرد ، وأيدوا تحرك الجيش فى 3 يوليو ، لكن ليس هذا معناه أنني أؤيد كل الخطوات التى تمت بعد هذا التاريخ . كان يمكن فض اعتصامي رابعة والنهضة بطرق مختلفة ، أيضا كان يمكن التعامل مع قضايا حقوق الإنسان ، وتحقيق أمن الوطن وأمن الإنسان في الوقت نفسه . ولم أكن أفضل كمبدأ أن يكون لدينا حاكم من الجيش في هذه المرحلة ، لكن جماعة الإخوان بغبائها السياسي وباستراتيجية الاستنزاف التي تبنتها ، بالإضافة إلى وعى الشعب المصري بخطورة مرحلة عدم الاستقرار، كل هذه العوامل تطلبت أن يكون الرئيس شخصية يقف وراءها الجيش . وأتمنى أن يكون الرئيس السيسى كما أطلق عليه محمد حسنين هيكل أنه مرشح الضرورة أو مرشح الإنقاذ ،.لكن هذا لن يتحقق إلا من خلال صيغة ديمقراطية تراعى المسألة الوطنية وتراعى أمن الدولة وتأخذ في اعتبارها التنوع السياسي . فهل ينجح الرئيس السيسى في إيجاد هذه الصيغة ؟ . تقلقني جدا مجموعة المنافقين والانتهازيين ، كما يقلقني أداء الإعلام خلال المرحلة الراهنة . بالتأكيد أتمنى أن ينجح الرئيس السيسى ، لكن نجاحه مرتبط بمدى وعيه بخطورة النفاق ، وخطورة حملة الدفوف, وأهمية أن تكون هناك رؤية سياسية إلى جانب الرؤية الأمنية والاقتصادية . على من تقع مسئولية إراقة دماء المصريين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين ؟. لن يستطيع أحد أن يحدد من هو المسئول عن العنف سوى لجنة تحقيق محايدة تعمل لوجه الله والوطن ، وتحقيقات اللجنة سوف تكشف مدى مسئولية كل طرف فى استخدام العنف. ولكن الجماعة لم تعترف بثورة30 يونيو ولا بشرعية رفض الشعب لهم .. فكيف لها أن تعترف بقرار اللجنة المحايدة ؟. أنا من الذين يؤمنون بأن الإخوان كجماعة منظمة ، قامت على أسس ومبادئ وعقيدة مؤسسها حسن البنا ، لم تعد أمرا ممكنا ، ويستحيل أن يتقبل المجتمع هذا النوع من التنظيمات مرة أخرى . لقد طالبت مرارا بأن يكون لدى جماعة الإخوان، قرار شجاع بحل الجماعة ، وأن يمارس أعضاؤها السياسة من خلال حزب الحرية والعدالة . اليوم أصبح أي تنظيما يقوم على السمع والطاعة ، وعلى فكرة الولاء المطلق هو تنظيم غير سياسي ، ويجب تجريمه تماما كأي تنظيم لا نعرف مصادر تمويله ولا نعرف أعضاءه . ويجب أن يكون القانون واضحا فى تجريم توظيف الدين فى السياسة ، واستخدام المساجد كمنابر للدعاية السياسية أو التحريض على الفتنة الطائفية أو شق صف الوطن . والقانون هو الضامن الوحيد لإنقاذ الوطن .