النغم الناعم الشجا، الصورة حيث لا إغراب أو تعقيدا، ولا عادية وتكرارا لما سبق، اللغة البسيطة الخالية من التقعر، والبريئة من التبسيط والتسطيح وطرق المطروق وترديد ما سبق أن تردد، بحيث يصير الصوت صدىً شائهاً لأصوات لا حصر لها تشترك كلها فى مصطلح «الكليشيه».. أشعار محمد إبراهيم أبو سنة، التى أصدرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة فى أربعة مجلدات أنيقة، تستحق بجدارة لقب «شعر»، لأن الشعر هو تبر اللغة المصهور والمسبوك، أما الذى يكتفى من الشاعرية بأوزان الشعر، أو بسطور تحت بعضها، بينما يخلو من الابتكار ومن بساطة السهل الممتنع، ومن تكثيف الثرثرة النثرية، فما هو إلا تراب، تراب خامد لا تبر متوهج. محمد إبراهيم أبو سنة شاعر كبير، لأنه أضاف إلى الشعر، أضاف موسيقاه ولغته، وجوه الخاص، حتى وإن كان عالمه الخاص مشتركا أحيانا وقسمته عدلا وحلالا بين كثير من الشعراء، أقصد: صور الزهور والنجوم وليل الشعور.. وما شابه مما سجا فشجا، فإن زهوره تختلف عن زهور حجازى وناجى وغيرهما من كبار الشعراء. وإن لم تختلف تشبيهاته المستقاة من التراث عن التراث نفسه، وعن معاصريه، لما كان شاعرا كبيرا. إن الشاعر الحقيقى بصمة، قد تقول هذه إصبع وهذه إصبع، هذه زهرة وتلك زهرة، إلا أن البصمة تختلف، ووردة أبو سنة لها أريج يختلف عن وردة درويش أو عبد الصبور أو على محمود طه. إن أبو سنة يستخدم الإحالات الشعرية الرومانسية معيدا صياغتها، فتصبح زهرته سوداء أحيانا، أو تظل بلونها، لكنه فى كل استخدام لها يجعلها تتنفس عطره هو.. ومن عطر أبو سنة، احتفاءً بصدور أعماله الكاملة، يسعد صفحة »أدب« أن تنفح القارئ المحب بهذه القصائد الثلاث، وهى مصداق لما قلنا.. وأكثر. «المحرر» في ظل عينيك هذا دمي يسيل يخطّ فوق العشب وردة وطائرًا ومستحيلْ وأنت تنظرين.. تجلسين فوق عرشك الجميل عيناك ترحلان في تاريخيَ الطويل سحابتان ترقصان في الجبال وموعدان للشروق وعازفان يبذُران في ترابيَ النجوم فتثمر السنون فواكهَ الفرح ............ أهذه بداية الطريق أهذه نهاية الطريق ............. أكانت الورود تبدأ اشتعالها وأنت تبتسمين للجداول الزرقاء كيلا يميتها الظمأ أكانت الطيور في أعشاشها تهييء النشيد للصباح وأنت تسألينني عن اتجاه الريح؟ ............ أكان قلبُك المرح تحيطه الأمواج والحصون وأنت تلمحين في عينيّ موعداً مع الجنون؟ أكنت تقتلين الوقت بالدعابة البيضاء أم كنت تقتلينني وينتهي اللقاء؟ لو تدركين وحشتي والليل لا يتركني وهذه الأقدام.. تغوص في مرارة الأيام معلق أنا على مفارق الطرُق معلق أنا من العنق أداور السياف كيلا يحز هذي الرأس أناشد السياف أن يحزَّ هذي الرأس .......... لوتدركين وحشتي لكنت يا أغنيتي فتحت لي فردوسك المزدانَ بالأقمار دعوتني لهذه الحدائق التي تميل بالثمار ......... لو تدركين وحشتي تركتني أُتمُّ رحلتي في قلب هذي النار في ظل عينيك من ديوان »أجراس المساء« (1975) *** غزلية أريحيني أريحيني على صدرك أذيبي صخرَ أيامي بهذي القبلة العذراء من ثغرك فإني هارب من جمر هذا العالم القاسي إلى جمرك فمدِّي ظل عينيك.. على صحراء هذا العمر وابتسمي فإني حامل الأحزان من دهر إلى دهر وتأكل وقدةُ الصحراء أقدامي وتنبت تحت أجفاني حقول الشوك يا لهفي على غابات عينيك فضمِّيني وغطِّيني بهذا الليل من شعرك دعيني أكتب الأشعار فوق نجوم نهديك وأقطف أول الأثمار من جنات خديك فقبلك كانت الدنيا هروباً ما له جدوى ولقيا غيرِ من نهوى أريحيني أريحيني على صدرك أذيبي صخرَ أيامي بهذي القُبلة العذراء من ثغرك »أجراس المساء« (1975) *** المبارزة السيف لا يحب ساعدَ الجبان من قال إنني دُعيت للطِّعان؟ فلتسأل اللسان لسانك الذي أهاج ذلك الميدان ما أكذب الإنسان قد كنت غائباً في رحلة الطعام شغلت بالفتاة والغلام وآلة الشهور والأيام وكنت قد نسيت أن في فمي لسان وعندما رأيت في المنام بأنني أقول أفصح الكلام جربت عندما صحوت أن أصيح ولم أجد سوى الهواء والدخان وقيل لي لسانُك احترق في عصر صمتك الطويل خدعتني يأيها الغراب ما كان صوتيَ الذي يصيح ولا الصليلُ كان للسيوف لكنها الحتوف لكنها الحتوف من ديوان »حديقة الشتاء« (1969) أعماله الشعرية : قلبي وغازلة الثوب الأزرق 1965 حديقة الشتاء 1969 الصراخ في الآبار القديمة 1974 أجراس المساء 1975 تأملات في المدن الحجرية 1979 البحر موعدنا 1982 مرايا النهار البعيدة 1987 رماد الأسئلة الخضراء 1990 - رقصات نيلية 1993 - ورد الفصول الأخيرة 1997 شجر الكلام 2000- موسيقى الاحلام 2004- تعالى إلى نزهة فى الربيع 2009-حمزة العرب (مسرحية شعرية) 1971 حصار القلعة (مسرحية شعرية) 1984.