حرصت الحكومات السابقة فى مصر على اختلاف توجهاتها على الحديث عن ايلاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة اهتماما خاصا ضمن أولويات خططها الاقتصادية لدفع معدلات التشغيل والنمو. وهو ما يثير التساؤل حول أسباب عدم نجاحها فى تنفيذ رؤيتها للنهوض بتلك الكيانات على غرار تجارب دول أخرى متقدمة ونامية نجحت فى بناء نهضتها الاقتصادية بالاعتماد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة. والمعروفة فى الأدبيات الاقتصادية باقتصاديات التكتلات ومنها إيطاليا والهند وكوريا الجنوبية والتى شكلت نماذج ملهمة لدول كثيرة تسعى للحاق بركب التقدم والحداثة. ورغم معاناة المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مصر من التجاهل والتهميش خلال العقود السابقة، إلا أن تقارير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تشير إلى أنها تمثل نحو 90% من الشركات العاملة فى القطاع الصناعى وتسهم بنحو 80% من الناتج المحلى الاجمالى، و75% من فرص العمل.بل لا نبالغ إذا قلنا أن قدرة الاقتصاد المصرى على مواجهة حالة عدم الاستقرار السياسى والامنى منذ قيام ثورة يناير المجيدة،يرجع الفضل فيه إلى تلك المشروعات التى تمتلك مقومات لا تتوافر للكيانات الاقتصادية الكبيرة مثل انخفاض تكاليف التشغيل والمرونة والقدرة على المزج بين العمالة المؤقتة والدائمة. وتواجه تلك المشروعات تحديات كبيرة تتعلق بالتمويل والتسويق وبناء القدرات الإدارية، إلا أن الحكومات السابقة اختزلت سياستها لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى توفير التمويل للصندوق الاجتماعى للتنمية سواء فى شكل قروض ميسرة او منح ،والتى تم تخصيص جزء كبير منها لتمويل مشروعات تجارية بالأصل،فى حين لم تحظ المشروعات الصناعية بالقسط الملائم منها،كما تشير التقديرات إلى أن نصيب تلك المشروعات من قروض الجهاز المصرفى لا تتعدى 10% من الاجمالى. ورغم أهمية التمويل كعامل هام لضخ الدماء فى أوصال الكيانات الاقتصادية الصغيرة ،إلا ان عناصر أخرى لا تقل أهمية لم تلق الاهتمام الكافى لدى صانع القرار فى الماضى، تمثل أبرزها فى دعم الأنشطة التكاملية بين تلك المشروعات من خلال تكوين شبكات صناعية تكاملية تعزز الوفورات الاقتصادية وتعمل على تقوية التحالفات الإنتاجية والتسويقية بين الشركات لتحقيق اقتصاديات الحجم. لذا فان رسم سياسة جديدة لدعم هذا القطاع الحيوى فى مصر ينبغى ان يرتكز على عدة محاور،أهمها تحفيز الطلب على شراء منتجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال تخصيص نسبة من مشتريات المناقصات الحكومية لصالح صغار المنتجين، ودعم الصناعات المغذية عبر برامج تأهيل للعمل كموردين للشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات فى مصر. إن تبنى إستراتيجية فعالة لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة مرهون بالتوصل لآلية لتحويل نشاط تلك المشروعات من الاقتصاد غير الرسمى إلى الاقتصاد الرسمى .وقد أظهر استطلاع رأى أجراه المركز المصرى للدراسات الاقتصادية عام 2012 على عينة من الشركات غير الرسمية أن أكثر من نصف العينة تفضل العمل فى الظل بسبب الإجراءات البيروقراطية لتأسيس الشركات. والذى يتطلب اتخاذ سلسلة من الإجراءات بهدف تبسيط إجراءات تسجيل المشروعات الصغيرة ومنح مزايا ضريبية لها و هو ما سيكون له من انعكاسات ايجابية على تحسين مناخ الأعمال. كما أن الاتفاق على توحيد أسس ومعايير تعريف المشروع الصغير لدى كل الجهات المعنية بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة والبنوك هو مطلب اساسى لرسم خطة التطوير، وذلك سواء من خلال معيار عدد العمالة أو رأس المال أو الأصول الإجمالية للمنشأة او المزج بين العوامل الثلاثة. وقد اعتمدت تجارب الدول التى حققت نجاحا فى هذا المضمار على تدعيم المؤسسات الحكومية والوسيطة (اتحادات صغار المنتجين)، لتحقيق التناغم بين السياسات الاقتصادية على المستوى الكلى والمستوى المتوسط (مؤسسى).فقامت بإنشاء مؤسسات مالية للعمل كوسيط بين المشروع الصغير والبنك وتبسيط إجراءات الحصول على القروض، وذلك لحل معضلة عدم قدرة الكيانات الصغيرة على الوفاء باشتراطات وضمانات البنوك الكبيرة، كما قامت بنشر مراكز لخدمات الأعمال بمختلف الأقاليم لتشجيع أنشطة التدويل والابتكار ونشر التكنولوجيا الجديدة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. إن حاجة مصر لتوفير 850 ألف فرصة عمل سنويا للحد من أزمة البطالة وفقا لتقارير البنك الدولى، يمثل عبئا ثقيلا على كاهل الحكومة والقطاع الخاص، وهو ما يستدعى إطلاق مبادرة لبرنامج قومى لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. تتكاتف فيه جهود كل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمصرفية بهدف تعبئة الموارد المالية والإدارية لإنشاء مليون مشروع صغير فى مصر على مدى الأعوام الخمسة المقبلة. لمزيد من مقالات د.عمرو الكيلانى