يقول الحق تبارك وتعالى (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما) «49، 50 الشوري».. تنطوى هاتان الآيتان على حقيقتين: الأولى هى قدرة الخالق على أن يهب لمن يشاء إناثا أو ذكورا، والثانية هى مشيئته فى أن يجعل البعض عقيما. وحول الحقيقة الأولى أقول: إن أذهان الناس انشغلت على مدى العصور بالتكهن، وليس التمكن، من نوع الجنس ذكرا كان أو أنثي، ولعل من أقدم الوسائل المدونة على مدى العصور تلك التى سجلها قدماء المصريين منذ قرابة ألفين وخمسمائة سنة، حيث برعوا فى استخدام بعض التجارب التى ساعدت فى تشخيص ثبوت الحمل، وتجارب أخرى لمعرفة جنس الجنين قبل ولادته، وفى العصر الحديث شهد العالم تقدما كبيرا فى تشخيص ثبوت الحمل بالتحاليل المعملية الدقيقة، والتعرف على جنس الجنين باستخدام جهاز الموجات فوق الصوتية، وذلك فى بداية الشهر الخامس من الحمل. أما عن التحكم فى إنجاب ذكور أو إناث من البشر طبقا لما يرغب الإنسان، فقد فشلت معظم المحاولات التى أجريت فى هذا الصدد، بينما نجحت التجارب التى أجريت على الحيوانات المنتجة للحوم والألبان، حيث تمكن الإنسان من رفع معدل إنتاج إناث الحيوانات بهدف زيادة الثروة الحيوانية. ولقد دلت التقصيات الإحصائية التى أجريت على مستوى العالم على أن هناك تقاربا بين أعداد الذكور وأعداد الإناث، حيث ثبوت النسبة لتظل فى حدود 50% لكل من الذكور والإناث منذ العصور القديمة وحتى العصر الحديث، كما بينت التقصيات أن معظم الناس يرغبون فى إنجاب الذكور، ولو تحققت هذه الرغبة لأصبح الرجال أكثر عددا من النساء، ويترتب على ذلك نشوء مشكلات اجتماعية تصعب مواجهتها والتغلب عليها، وتجدر الإشارة إلى تقصيات إحصائية بينت ارتفاع نسبة الذكور فى إنجلترا وأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بالمقارنة بالإناث، وبعد البحث عن أسباب هذه الزيادة، اتضح أن الحيوانات المنوية التى تحمل صفة الذكورة تزداد نشاطا بعد التوقف عن الممارسة الجنسية لمدة طويلة بسبب الحرب، ولقد بينت بحوث بعد ذلك أنه كلما قلت مباشرة الرجل الجنسية للمرأة أو انعدمت زاد احتمال إنجاب الذكور. أما عن الحقيقة الثانية، وهى أن الله يجعل من يشاء عقيما، فقد ثبت أن هناك عوامل متعددة تؤدى إلى العقم، من بينها تغير السرعة التى تنطلق بها الحيوانات المنوية من الجهاز التناسلى للرجل إلى نظيره فى المرأة حتى وصوله إلى البويضة، وفى الحالات الطبيعية تكون سرعة الحيوانات المنوية محددة بحيث لا تزيد أو تنقص عن السرعة التى قدرها الله لكى يتم إخصاب البويضة بواحد من الحيوانات المنوية، فالسائل المنوى الذى يتدفق من الجهاز التناسلى للرجل ليصل إلى رحم المرأة ثم إلى البويضة التى استقرت فى قناة الرحم.. هذا السائل يحتوى على مائة مليون حيوان منوى أو أكثر، وخلال رحلة الحيوانات المنوية من الذكر إلى الأنثى تفنى الملايين منها ولا يصل قرب البويضة إلا مائة حيوان فقط، حيث تلقح البويضة بواحد منها، هو الأقوى والأصلح، وبذلك يتم الإخصاب والحمل. وقد يتساءل البعض: ماذا يحدث لو زادت سرعة الحيوانات المنوية أو قلت عن الحد الطبيعى المقدر؟.. والإجابة هى عدم حدوث الحمل فى كلتا الحالتين، حيث يترتب على زيادة السرعة فقدان خاصية مهمة تكتسبها الحيوانات حينما تكون السرعة طبيعية، هذه الخاصية هى تنشيط الحيوان المنوى بواسطة بعض إفرازات الجهاز التناسلى للمرأة، تنشيطا يترتب عليه تمكين اختراق الحيوان المنوى للبويضة وإخصابها، أما فى حالة زيادة السرعة، فإن الوقت لا يسمح بتنشيط الحيوان المنوي، ومن ثم عدم تمكنه من اختراق البويضة.. أما إذا كانت السرعة أقل من الطبيعية، فإن الوقت الذى سيبقى فيه الحيوان المنوى فى الجهاز التناسلى للمرأة أطول من الوقت الطبيعي، ويترتب على زيادة هذا الوقت هلاك الحيوانات المنوية، بحيث لا يكون هناك حيوان صالح لإخصاب البويضة، مما يترتب عليه عدم حدوث الحمل. ولذلك.. فإن عامل السرعة التى قدرها الله للحيوان المنوي، بالإضافة إلى عوامل أخرى تؤثر بالسلب فى حيويته وانطلاقه نحو البويضة، تعتبر من أهم ما يؤدى إلى إعاقة حدوث الحمل، وصدق الله العظيم القائل فى محكم آياته (إنا كل شيء خلقناه بقدر) »49 القمر«. د. عز الدين الدنشارى