نعود إلى الوراء قليلاً لرصد أسباب الأزمة، فطوال السنوات الثلاث الماضية، التي أعقبت ثورة 25 يناير، تعرض قطاع الكهرباء لحالة من الاعتداء الصارخ، حيث توالت الأزمات على القطاع، فمن ناحية، تزايدت عمليات سرقة التيار الكهربائي وتوصيله إلى المباني المخالفة، كما انتعشت سرقة التيار بالمناطق العشوائية، والميادين والشوارع الرئيسية عبر أعمدة الإنارة لإنارة الأكشاك غير المرخصة، فضلاً عن أزمات الوقود التي ألقت بظلالها على محطات الكهرباء، فخرج بعضها من الخدمة، إلى جانب تراجع عمليات الصيانة بفعل عزوف ملايين المشتركين عن سداد فواتير الكهرباء، علاوة على ديون الجهات الحكومية لشركات الكهرباء التى تجاوزت نحو 41 مليار جنيه، فيما تجاهد الشركات لتوفير رواتب العاملين، والتى تقدر بنحو 11 مليار جنيه شهرياً فى ظل نقص السيولة المالية، خاصة أن إجمالى الالتزامات الشهرية للقطاع تبلغ 3 مليارات جنيه، فيما تتراوح إيرادات شركات الكهرباء شهرياً بين 1.9 مليار جنيه ومليارى جنيه، وهو ما يعنى عجزا ماليا بين الإيرادات والمصروفات يصل إلى مليار جنيه، ناهيك عن عمليات التفجير المستمرة لأبراج الضغط العالي.. وكانت النتيجة تراجع الكميات المنتجة من الكهرباء، مما اضطر شركات انتاج الكهرباء إلى قطع التيار لعدة ساعات من اليوم لتخفيف الأحمال، في مواجهة ارتفاع معدلات استهلاك الكهرباء بسبب تزايد درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية خلال شهور الصيف. وقد بلغت أزمة الكهرباء المستمرة منذ أشهر، نقطة الذروة خلال الأسبوع الماضي، وبرر المسئولون تأزم الموقف بعمليات تفجير أبراج نقل الكهرباء، وعدم توافر الوقود اللازم لتشغيل المحطات او بسبب عدم صيانتها، فضلا عن وجود بعض القيادات الاخوانية التي تسعى لعرقلة العمل داخل قطاعات الوزارة، الى ان أعلنت الحكومة اواخر الأسبوع الفائت عن انفراجة متوقعة يوم الأحد الماضي، بعد ضخ وزارة البترول 100 مليون قدم مكعبة إضافية من الغاز، على ان تخف حدة الأزمة تباعا بحلول شهر سبتمبر ، وتنتهي تماما في نوفمبر. تجولت «تحقيقات الأهرام» في العديد من المناطق، والتقينا العديد من المواطنين للتعرف على مدى التحسن الذي شهدته الكهرباء، والانفراجة التي تحققت خلال الأيام القليلة الماضية، واذا ما كانوا يتوقعون عودة أزمة انقطاع التيار مجددا؟ هنا يؤكد عبد العال من منطقة الوراق بإمبابة انخفاض عدد ساعات قطع الكهرباء، وقد بدأ التحسن من يومي الخميس والجمعة الماضيين، إذ لم تنقطع الكهرباء نهائيا، لكن مع ارتفاع درجات الحرارة أوائل الاسبوع يتم قطعها ثلاث مرات في اليوم، وبالمقارنة بالاسابيع السابقة، فكان يتم قطع الكهرباء فترات متكررة في منطقته، كل مرة لمدة ساعة، ولم يعد يعلم سبب الازمة، ولا سبب الانفراجة. أما محمود ويسكن في بولاق ابو العلا فيتفق هو الآخر على ان هناك تحسنا ملحوظاً، فبعد ان كانت تنقطع سبع مرات يوميا، أصبحت تنقطع مرتين فقط، الاولى نهارا والثانية ليلا. ويتعجب محمود من تحسن الوضع بعد اجتماع الرئيس السيسي مع رئيس الوزراء ووزيري الكهرباء والبترول يوم الخميس الماضي، وتساءل: هل هم بحاجة الى توجيهات من الرئيس حتى يتم حل الأزمة؟، متوقعا ان تعود الأزمة من جديد بسبب غياب التخطيط، وعدم تأمين الأبراج. عفاف من سكان المنيل تشعر بانفراجة منذ الخميس الماضي هي الأخرى، وإن لم تر وجود أزمة من الأصل ،حيث كانت الكهرباء تنقطع ايام الذروة ثلاث مرات يوميا على الأكثر، مشيرة إلى أنها لا تعتقد ان يعود الأمر الى سابقه من جديد، خاصة اذا تم الالتزام بالإجراءات التي تم الإعلان عنها من الاعتماد على الطاقة الشمسية، وتوفير الوقود، إلا انها ترى العامل الأهم هو استبعاد كل الخلايا النائمة المنتمية لجماعة الإخوان من العمل بالقطاع، اذ تعتقد انهم السبب الرئيسي في تلك الأزمة، فهم يعملون من وجهة نظرها- ضمن مخطط كبير لاسقاط الدولة وتخريبها. ومن محافظة الشرقية سألنا أماني عن عدد مرات انقطاع الكهرباء في الايام السابقة مقارنة باليومين الماضيين، فقالت ساخرة: اسألونا كم مرة كانت تأتي الكهرباء ؟! فأغلب اليوم هي غير موجودة، اما هذه الأيام فتقطع خمس مرات يوميا، واذا كانت هذه انفراجة فاعتبروها كذلك. أما ليلي من المحافظة ذاتها، فتؤكد وجود تحسن نسبي منذ يوم الخميس الماضي، لكن الأزمة عادت من جديد مع ارتفاع الحرارة والرطوبة لتنقطع اربع مرات يوميا قد تصل أحيانا الى ساعة ونصف الساعة في المرة الواحدة، مؤكدة ان الأزمة سببها الرئيسي سوء الإدارة وغياب التخطيط. على جانب آخر يفاجئنا وائل يسكن في شبرا- بعدم وجود أزمة في الكهرباء في منطقته، إذ أن أقصى عدد مرات انقطاع في وقت اشتداد الأزمة هو مرتان يوميا وغالبا مرة واحدة لمدة ساعة، ولم تكن تنقطع أيام الجمع نهائيا، ولهذا فهو لا يشعر بأي فرق، لكنه يشير الى ان قرى المحافظات هي من يقع عليها الظلم الأكبر، فيقول: أهلي في محافظة المنوفية تنقطع عنهم الكهرباء سبع مرات يوميا، وفي احد الأيام انقطعت لمدة 12 ساعة، ويشير وائل إلى ان الحكومة تسير بمبدأ مصر هى القاهرة، وأحيانا يضاف إليها الإسكندرية، فإذا كانت القاهرة تمام فإن مصر كلها تمام! وتفاجأت نادية من سكان مدينة الرحاب- من سؤالنا هي الأخرى وقالت :لم يكن لدينا أزمة اصلا حتى تنفرج، والكهرباء لا تنقطع لدينا نهائيا.!! ويؤكد الدكتور مهندس محمد اليماني المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة ان المواطن قد بدأ يستشعر الانفراجة والتحسن الملموس بشأن ازمة انقطاع التيار الكهربائي، وذلك يرجع الي زيادة كمية الوقود لمحطات الكهرباء واكتمال صيانة بعض وحدات التوليد مما خفف من حدة الأزمة، مشيراً إلى انه بزيادة كميات الوقود كما وعد وزير البترول وانكسار درجة الحرارة واستمرار شركات الكهرباء بملاحقة سارقي التيار الكهربائي ستشهد الأزمة تراجعا كبيرا وتحسنا ملموسا. ويؤكد ان العلاقة بين المواطن وشركة الكهرباء مبنية علي التعاقد، والفيصل في الاستهلاك يكون بقراءة العداد، لذلك من يستهلك كهرباء عليه بسداد الفواتير لتتمكن شركات الكهرباء من الاستمرار في عمليات التشغيل والصيانة والتوسعات وتطوير الأداء لذلك من لم يسدد قيمه الكهرباء التي استخدمها يعتبر سارقها ، مشيرا الي ان المواطن له الحق في التوجه الي إدارة الكهرباء طالبا انهاء التعاقد وسداد قيمة الكهرباء المستهلكة وفقا للقواعد المتبعة. ويناشد اليماني المواطنين في هذه المرحلة بالتعاون معا لإعادة بناء الوطن لذلك يجب ان نكون أكثر ايجابية ونلتزم بسداد الفواتير بل ونطبق سياسات ترشيد الكهرباء لتقليل قيمة الفاتورة ونكون أكثر ايجابية من خلال الإبلاغ عن حالات سرقات التيار او الأعمال التخريبية ضد المنشآت الكهربائية. ويري أن فكرة الامتناع عن السداد وإيقاف العداد كلها أفكار غير طبيعية وشأنها شأن الأعمال التخريبية خاصة انه لا يوجد احد يستطيع ان يعيش دون الكهرباء فمن لديه مريض يقوم بمعالجته أولا. ويطالب اليماني المواطنين بتحمل درجات الحرارة المرتفعة خلال شهر أغسطس وسوف تحدث انفراجة كبيرة وتحسن في التغذية الكهربائية مع انكسار الموجة الحارة وزيادة كميات الوقود، مشيرا الي ان الجميع يعمل حاليا في خطوط متوازية لحل المشكلة، فوزارة الداخلية تبذل كامل جهودها لضبط المخربين ، فيما قامت وزارة الكهرباء بتعديل الآليات المتبعة في قطع التيار الكهربائي تطبيقا للعدالة في تخفيف الأحمال ، مشيرا إلي ان الوزير فرض إجراءات صارمة في هذا الشأن مما أدي إلي تقليل ساعات الانقطاع.