قرأت مؤخرا كتاب "داعية وليس نبيا" للكاتب حسن بن فرحان المالكي والصادر عن دار "غراب للنشر والتوزيع", ففيه قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمد بن عبالوهاب في التكفير. فقد كان الاختلاف ولا يزال من أسباب وعلل الخلق ولكن هذا الخلاف والاختلاف شغل المسلمون عن قضيتهم الرئيسة، ألا وهي وحدة الأمة على كلمة سواء. ومن ثم جاء هذا الكتاب داعياً ومنبهاً إلى الخطر الذي وقعت فيه كل الأطياف والفصائل والفرق الإسلامية، من نبذ للآخر، مع كف علماء كل فرقة أو فصيل عن إلقاء وقذف الآخر بالتهم. فأهمية الكتاب تتجلى في دعوته إلى وحدة الأمة ولم الشمل الإسلامي - بعيداً عن المغالاة والتكفير إضافة إلى أن مؤلفه على الرغم من نقده الموضوعي لكثير من القضايا التي تعرض وعرض لها، إلا أنه التزم بأدبيات الحوار. ولذا أهيب بالإخوة السلفيين والوهابيين، قراءة الكتاب قراءة فكر وليست قراءة أشخاص، بعيداً عن منهج الانتقاء والإقصاء، لأن الكتاب يقدم لهم خدمة جليلة، تخرجهم من دائرة الانغلاق إلى قبول الآخر والبعد عن المغالاة في القضايا الخلافية وغيرها، التي تسبب الفرقة بين المسلمين. بدأ الكاتب بعرض لكتاب "كشف الشبهات" للشيخ محمد بن عبدالوهاب لتميزه بالوضوح وتلقين الحجج والبراهين. واكد مرارا وتكرارا علي ان الشيخ داعية واصلاحي وليس نبيا وعلينا ان نخضع أقواله لأحكام الشريعة ولكن الا نجعله فوق الشرع. فقد وقع في أخطاء أصبحت سنة متبعة وبالتالي لابد أن يكون عندنا الشجاعة للمبادءة بنقد أخطائنا، وتصحيح بيتنا الداخلي، وعدم الخجل من ذلك. الشيخ كان سببا في الدعوة للأسلام الخالص النقي لكن أن تكون هذه المحاسن مانعة من الملحوظات العلمية عليه؛ لسبب بسيط وهو أنه بشر يخطئ ويصيب. ولهذا على أهل العلم, أن يكنوا في مستوى المسئولية والشجاعة ببيان أخطاء العظماء بعلم وأدب وإنصاف, فلا يجرمنهم غلو أتباعهم في الاعتراف بفضلهم ولا يدفعهم ظلم الخصوم للتخندق مع أخطائهم تجاوزاتهم. فقد اورد المؤلف ثلاث وثلاثين ملحوظة من عيوب منهج الشيخ, وهي ملحوظات رئيسية واضحة على رسالة صغيرة مشهورة وهي من أقوى ما كتبه الشيخ ومن أكثر ما يفاخر به أتباعه من إنتاجه. وقد تبين من هذه الملاحظات أن الشيخ غلا في التكفير غلوا ظاهرا, مجتنبين الغلو من خصومه وأتباعه, فإنه لا يجوز شرعا أن نحمي الشيخ محملين أخطاءه علي الإسلام فنزعم أن هذا التكفير قد دلت عليه النصوص الشرعية, وأنه دين الله, فهذه الطريقة في تبرئة الشيخ وتحميل الإسلام أخطاءه فيها خيانة للدين نفسه, يجب أن يبقى الدين فوق مستوى أن نربط مصيره بمصير من نحب من العلماء أو الحكام أو غيرهم. فالدين ليس حكرا على أحد, وليس هناك قراءة واحدة, ولا اتفاق على كل النصوص تصحيحيا أو فهما. وفي قراءة اقوال الشيخ في "الدرر السنية" نجد مغالاة في التكفير ونستدل علي ذلك ببعض اقوالة ومنها: علماء نجد وقضاتها لا يعرفون الإسلام, الحرمان الشريفان ديار كفر, علماء الحنابلة وغيرهم في عهد الشيخ كانوا مشركين شركا أكبر ينقل من الملة, الفقه عين الشرك, المتكلمون كفار....الخ وهكذا نجد أن منهج الشيخ بشكل عام وكل علماء الدعوة تقريبا, على التكفير, والغلو فيه وهذه اللغة في التكفير هي الغالبة. كما أن التكفير في منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب, ثابت في مؤلفاته ورسائله وفيما ينقله المعارضون عنه, وفيما دونه المؤرخون في تلك المرحلة. وبعد هذا الغلو الذي لم أجد له مثيلاً، يعيد كثير من العلماء والدعاة أسباب التكفير والعنف لسيد قطب والمودودي والإخوان المسلمون وحزب التحرير! صحيح أن في هؤلاء غلواً في الجانب السياسي، لكن لا يبلغ غلو الوهابية في الجوانب كلها سياسية وعقدية وفقهية وثقافية واجتماعية، فالإنصاف دين. ولذا أوصي بفتح المجال لدراسة الفكر الوهابي بوصفه إنتاجا بشريا قابلا للخطأ والصواب, كسائر الإنتاجات الفكرية والمذهبية, وأن يتم فسح الكتب التي تنحو منحى الفكر المراجعة هذا الفكر.... أسوة بالكتب التي تناقش تيارات ومذاهب. أخرى وأسوة بالكتب التي تغلو في الشيخ. فقد بالغ الشيخ في التحذير من الشرك حتى أدخل في الشرك ما ليس شركاً؟. وهذا يشبه ما يجري بين السنة والشيعة من اتهام السنة للشيعة بتكفير الصحابة.. وهكذا يدور المتخاصمون في حلقة مفرغة لأنهم لم يحرروا موقع الخلاف. [email protected] المزيد من مقالات رانيا حفنى