ما أحوجنا إلى استرجاع سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم في زمن تناسى الناس فضل الصحابة رضي الله عنهم، بل كثر الهجوم والطعن على سادتنا الصحابة من لدن مَنْ لا دين لهم ولا خلاق، قال الإمام الطحاوي " رحمه الله " في العقيدة الطحاوية : "حبهم دين وإيمان وبغضهم كفر وفسوق وطغيان"، فما أحوجنا أن نستحضر نماذج التضحية من سادتنا الصحابة الذين كانوا سندًا وعونًا لرسول الله صلى الله عليه في الهجرة النبوية الميمونة، حيث بذلوا أموالهم ونفوسهم فداء لدين الله ودفاعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأول نموذج يلوح لنا هو نموذج الصديق أبي بكر - رضي الله عنه - فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ (زَمَانِ رَسُولِ اللهِ) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ" [صحيح البخاري]. الصديق معتق للعبيد ويكفي أبا بكر رضي الله عنه شرفا ما قدمه نصرة لدين الله عز وجل من مال وعطاء وخدمة، فعندما كان أمية بن خلف أحد صناديد الكفر يعذب بلالا -رضي الله عنه- ويضع الأحجار على بطنه كي يكفر بالله، فكان بلال يقول: أحد أحد، فمر به أبو بكر رضي الله عنه وبلال يعذب فاشتراه من أمية الكافر، وقال لبلال: أنت حر لوجه الله، ففي الحديث عن يحيى بن سعيد قال: ذكر عمر بن الخطاب فضل أبي بكر الصديق، فجعل يصف مناقبه ثم قال وهذا سيدنا بلال حسنة من حسنات أبي بكر [كنز العمال 35624]، جامع الأحاديث: (27/239). مكانة الصديق عند النبي الكريم كانت لأبي بكر مكانة عالية عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أثنى عليه كثيرا، فعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، "عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ: أَلاَ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً، لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، إِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ. قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي نَفْسَهُ" [سنن ابن ماجة (1 / 70)]. وأيضا قد أثنى النبي الكريم على جهاد أبي بكر بالمال في سبيل الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ: مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ، مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: هَلْ أَنَا وَمَالِي، إِلاَّ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!" [سنن ابن ماجة (1 /70)]. أبو بكر صاحب النبي في الهجرة أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن إلا علي بن أبي طالب، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، "وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا" فيطمع أبو بكر أن يكون رسول الله صاحبه في الهجرة [ابن إسحاق بتصرف]. ثاني اثنين إذ هما في الغار وعندما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج أتى أبا بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار ثور -جبل بأسفل مكة- فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما، يأتيهما إذا أمسى في الغار، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما. أبو بكر يغامر بنفسه ويطهر الغار فعن الحسن البصري قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه [سيرة ابن هشام]. ها هو أبو بكر رضي الله عنه دخل الغار ولدغ وهو يطهر الغار ولما آلمه اللدغ بكى ونزل دمعه على وجه النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم في حجره، فدعا له النبي الكريم وبصق في مكان اللدغ فبرأ بإذن الله تعالى، اللهم ارض عن سادتنا الصحابة أجمعين. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر