هل كان أحد منكم يصدق أن يعمل الرئيس الأمريكى باراك أوباما لمصلحة الرئيس السورى بشار الأسد؟ وهل كان أحد منكم يعتقد أن تخدم سياسات واشنطن مصالح دمشق، وتقدم لها ما يشبه حبل الإنقاذ، عندما قرر أوباما قصف مواقع داعش فى العراق، وتخفيف الضغوط الخارجية الواقعة على الأسد ؟ العارفون بخبايا التصورات الأمريكية فى المنطقة، خاصة حيال سوريا، يجيبون بنعم، فقد تدحرج موقف أوباما، من رحيل الأسد ولو بالقوة المسلحة إلى منح فرصة للتسوية السياسية. ومن دعم المعارضة عسكريا إلى تفكيكها واضعافها ماديا ومعنويا، بفعل التصرفات الغامضة والحسابات المعقدة التى تبناها أوباما. ومن تصويب الأساطيل لمدافعها فى البحر المتوسط صوب الأماكن الحيوية فى سوريا إلى انسحاب مفاجىء ترك الكثير من الأسئلة بلا أجوبة محددة. ومن الضجيج حول استخدام بشار أسلحة كيماوية إلى هدوء وسكينة ثم تجاهل، حتى طوى النسيان هذا الملف، ولم يعد مطروحا تقريبا. ومن الصمت الغريب على ممارسات «داعش» الارهابية فى العراق إلى توجيه أطنان القنابل على رءوس عناصرها فى الموصل وغيرها. وبالتالى التأثير على قدراتها المسلحة، وتقليص مساحة حركتها فى الأراضى السورية. أما المخدوعون، فيرون أن أوباما تأكد أن «داعش» أضحت عبئا عليه، وطور سياسته بعد أن صمت كثيرا على تحركاتها بصورة يصعب احتمالها، فى ضوء ما يتردد على نطاق واسع بشأن أن «داعش صناعة أمريكية»، كما أن التنظيم ألحق أضرارا سياسية بالغة بحلفاء واشنطن فى العراق (الشيعة)، وكاد يعصف بمصالح كبيرة لأقليات يقدم أوباما نفسه على أنه مدافع أول عنهم (الأيزيديون والمسيحيون فضلا عن الأكراد). من هنا تحمل الضربات الأمريكية «كارت» تهديدا لكل من تسول له نفسه الخروج على السيناريو المرسوم فى واشنطن، لكنها قدمت فى الوقت ذاته تصريحا لبشار بعدم التصدى له. التفكير السابق، لدى المخدوعين، يتغافل نقطتين. الأولي، أن التحرك الأمريكى جاء متأخرا، أى بعد أن أصبحت «داعش» رقما مهما فى المعادلة العراقية، قد يستغرق اجتثاث عناصرها وقتا طويلا، خاصة بعد أن نثر التنظيم بذوره وشروره فى دول عدة. والمهم أن الانشغال بالضربات الأمريكية، سوف يتيح الفرصة لنظام بشار لتوجيه المزيد من الضربات لجناح «داعش» فى سوريا، عقب انقطاع أو ضعف مصادر التمويل الأساسية، والتركيز على ما يقوم به أوباما فى العراق، ونسيان ما يقوم به الأسد فى سوريا ضد جميع المعارضين. النقطة الثانية، أن القضاء على »داعش« تماما يستلزم انزالا بريا، وهو ما ترفضه الولاياتالمتحدة حاليا، لأنه سوف يعيدها للمتاهة السابقة. وهنا يقع الرئيس أوباما بين خيار التوقف فى منتصف الطريق، بعد أن يتمكن من تأمين جانب معتبر لحلفائه فى العراق، وترك شبح »داعش« يخيم على المنطقة، لأنه يتم توظيفه أمنيا وسياسيا، أو خيار المجازفة بتجفيف منابعها فى العراق، واضطرار عناصرها المسلحة للفرار إلى سوريا، لتظل الأزمة مشتعلة ومفتوحة على كل الاحتمالات، بما يعطى أوباما مرونة فى الحركة، إذا تراجع وقرر تحت ضغط ظروف قاسية الالتفات للأسد. فى كل الأحوال، لو سعى بشار الأسد بكل ما لديه من قوة غاشمة لمواجهة «داعش» التى تعاظمت قوتها، لما أفلح فى الوصول إلى ما يمكن أن يصل إليه أوباما. ولو فكر فى اقتلاعها من جذورها فى العراق، لتكاتفت عليه قوى مختلفة وانهار نظامه خلال فترة وجيزة. وإذا كان بشار استثمر «داعش» فى البداية لتفتيت المعارضة وتهديد القوى الغربية التى تناصبه العداء، فإنها تحولت إلى خطر حقيقى عليه، يفوق ما يمثله جميع أعدائه، لأنها تملك من الامكايات العسكرية ما يساعدها على الصمود، ولديها امتداد جغرافى يسمح لها بالكر والفر، وتلتقى طموحاتها حاليا مع أجندات قوى دولية كانت ترتاح إلى توغلها فى بعض دول الجوار. لذلك عندما تقوم القوات الأمريكية بدك رأسها فى العراق، سيكون من السهولة على بشار قطع ذيولها فى سوريا. الخدمة التى أسداها أوباما لبشار الأسد، جعل البعض يتصور أن هناك تفاهما ضمنيا بينهما. فكلما ضاق الخناق على الثانى تقدم الأول لانقاذه من حبل المشنقة، عن قصد أو سوء تخطيط. ومن يراجع التعرج الحاصل فى المواقف الأمريكية، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، سيتأكد من ذلك بسهولة. لأن استمرار الحالة الراهنة فى سوريا يبدو أفضل خيار أمام الإدارة الأمريكية، حيث فقدت قدرتها على الامساك بزمام أمور كثيرة. لذلك يعمل أوباما وفقا لقاعدة، إذا لم تستطع أن تحقق هدفك بأقل تكلفة ممكنة، فلا تدع الآخرين يحققون أهدافهم، وضع العراقيل حتى تكون التكلفة باهظة لردعهم عن مواصلة الطريق. الأمر الذى فعلته واشنطن فى سوريا، فقد فشلت فى اسقاط الأسد بالأدوات الثورية السلمية، ولم تجرؤ على اللجوء للقوة الخشنة، لأنها لا تستطيع تحمل أعبائها السياسية والأمنية. وأخفقت فى تصعيد حليفتها جماعة الإخوان المسلمين هناك، فأربكت حسابات قوى اقليمية ودولية أخري. وكانت النتيجة أن الشعب السورى يئن تحت وطأة المعاناة، والأسد لا يزال يزأر فى وجه معارضيه. لمزيد من مقالات محمد ابوالفضل