«نظام مابعد الحرب العالمية الاولى ينهار فى الشرق الاوسط وشمال افريقيا « اعلان خطير للرئيس الأمريكى باراك أوباما أعلنه فى مقابلته المصورة مع صحيفة »النيويورك تايمز« التى أجراها الكاتب الصحفى توماس فريدمان . فماذا يعنى هذا الكلام ؟ ولماذا تحدث أوباما الآن ذلك الحديث المطول ؟ هل نحن امام عقود اخرى من الفوضى وإذا كان ذلك كذلك فهل قصة الدولتين فى فلسطين هى مجرد لعبة لإلهاء الناس بها وان المنطقة ستبقى مشتعلة ويبقى دور العالم، بما فى ذلك دور القوة العظمى الوحيدة فى العالم هو إدارة الصراع لا حله نهائيا، مجرد إطفاء الحرائق وإيقاف إطلاق النار وتثبيته لفترة ليعود وينفجر فى وجوهنا مرة اخري. هل ما قاله الرئيس الأمريكى يعنى ان الولاياتالمتحدة غسلت يدها من المنطقة الا فى حالة التأثير المباشر على مصالحها؟ أوباما لم يتحدث فى تلك المقابلة الشاملة عن الشرق الاوسط فقط بقضاياه المعروفة مثل القضية الفلسطينية والنووى الإيرانى وعدم الاستقرار فى كل من ليبيا والعراقوسوريا بل تحدث عن روسياوالصين وأوروبا، وقال لماذا لا يتوقع العالم من أمريكا موقفا أشبه بموقف الصين التى لا تحركها اى قضية للدرجة التى ترسل فيها جنودها ولا يتوقع منها العالم اى شيء؟ الشرق الأوسط الذى ظهر فى حديث أوباما مخيف فيما يخص المصالح العربية فى المنطقة، تحدث عن كردستان بما يشبه قيام دولة وأكثر من الحديث عن السنة والشيعة وعن النظام الأوتوقراطى الذى انهار مع الربيع العربى وقد ينهار ما تبقى منه، فهل هذا الحديث يرسم ملامح سياسة ام استكمال لسياسة؟ حديث فيه كثير من الغرور الفكرى المبرر احيانا، ولكنه متواضع فى بعض نقاطه كما الحال فى حديثه عن ليبيا . تحدث أوباما بحسرة عن الدروس المستفادة من تجربة مشاركة أمريكا مع حلف الناتو للقضاء على نظام القذافى وقال، « لو كنا نعرف ان النتائج غير المحسوبة ستكون بهذا الشكل لما تدخلنا». الاعتراف الأخطر فى حديث أوباما هو « ان المجتمع الأمريكى عظيم ومفعم بالحيوية ولكن السياسة الامريكية خربة broken»، اى باعتراف الرئيس الأمريكى نفسه سياسة الدولة العظمى مجملا ليست عظيمة وفى الشرق الاوسط بالتحديد هى سياسة رعناء او خربة ومن يبحث عن دليل ينظر الى ما تفعله اسرائيل فى غزة وداعش فى العراق والمليشيات فى ليبيا الى اخر القائمة، كل هذا يحدث وأمريكا لا ترى سببا فى التدخل لانها على حد قوله «لن تصبح القوة الجوية لنظام المالكى او غيره». الحديث لا شك شامل وحديث يمكن اعتباره علامة فارقة فيما يمكن تسميته برؤية أوباما لعلاقة أمريكا بالعالم الجديد وفى شرق أوسط جديد يمثل نهاية سايكس بيكو ولا ندرى اى نظام سينشأ خلال العشرين عاما القادمة على حد قوله .حديث رئاسة أوباما الثانية مع صحفى يفهم ما يسأل ومن الصعب الضحك عليه، لذلك ظهر أوباما او على الأقل حديثة متماسكا على المستوى الفكرى وكاشفا عن رؤية رجل بدا وكأنه يفكر وهو يتكلم المقابلة رغم اننا نعرف ان فريقه الرئاسى قد جهزه لمثل هذه المقابلة التى غطت مساحات كبيرة من القضايا العالمية. ما قاله أوباما فى شأن الشرق الوسط مجملا يمثل رؤية مخيفة ولكن ما قاله فى شأن العراق وإيران وما سماه « فشل الشيعة» إقليميا وداخل العراق يستدعى وقفة. «فشل الشيعة» كمفهوم يعتبر جديدا على إدارة أوباما التى استعانت بمفكرين كان آخرهم الأمريكى من أصل إيرانى فالى نصر يروجون لفكرة ان الشيعة هم الديمقراطيون فى المنطقة والسنة هم المتطرفون . كتاب فالى نصر عن الشيعة تبنى هذه الفكرة وروج لها كثيرون وعمل فى إدارة أوباما لفترة. فكون أوباما يتحدث عن عدم قدرة شيعة العراق على الممارسة الديمقراطية واحتواء الطوائف المختلفة عرقيا ودينيا يوحى بأن مقولة الشيعة كديمقراطيين قد انتهت على الأقل فى بقية مدة أوباما الرئاسية. حديثه أيضاً عن كردستان « رغم انهم لا يتمتعون « باستقلال ولكنهم يمثلون واحة من الممارسات الديمقراطية فى العراق كاشفا بالنسبة لاحتمال قيام دولة الأكراد مستقبلا. فحديثه عن الأكراد اقرب الى حديثه عن اليهود من حيث الإعجاب بتجربتهم فى الشرق الوسط ومن هنا تكتسب مقولة نهاية نظام الحرب العالمية الاولى جزءا من معناه. سمعت بطريقة مباشرة فى لندن وفى المنامة من الجنرال الأمريكى ديفيد بتريوس الذى استقال مؤخراً كرئيس لوكالة المخابرات المركزية إثر فضيحة جنسية فى طبيعتها، سمعته يتحدث عن تجربته فى العراق عندما كان قائدا للقوات الأمريكية فى شمال العراق بعد غزو أمريكاالعراق 2003 يقول إنه احتفظ بكركوك للأكراد . اى ان النفط فى الشمال العراقى للأكراد . وتلك كانت الرؤية الامريكية ولا تزال وبدت واضحة فى حديث أوباما وهو يتحدث عن ضرب متطرفى داعش من الجو. تتضح أيضاً ملامح نهاية سايكس بيكو من خلال حديثه عن ليبيا كدولة لايمكن حكمها. تحدث عن الندم الأميركى للتدخل فى ليبيا ضمن معادلة غير محسوبة، فهل يعنى هذا ان أمريكا قد سلمت بالتقسيم فى ليبيا وأنها غير مصرة على الاحتفاظ بليبيا كدولة موحدة او حتى سوريا كدولة موحدة؟ الصورة التى رسمها أوباما للشرق الاوسط وحديثه عن سلفه جورج دبليو بوش ومن قبله كلينتون يوحى بأن فكرة الفوضى الخلاقة هى التى أدت الى نهاية نظام سايس بيكو وان خروج الأمريكان من العراق كان تحسبا لإبعاد قواتهم من منطقة يعرفون ان الفوضى ستلتهمها قريبا. كلام أوباما لست ماس فريدمان ليس كلام أستاذ جامعى أكاديمى ينظر فى العلاقات الدولية، بل بالعكس يعكس رؤية إدارة أوباما لأمريكا والعالم ويحتاج الى قراءة وإعادة قراءة عشرات المرات، لأن الواضح منه مخيف ولكن ما خفى من سياسة الدولة العظمى كان اعظم. نعم كما قال أوباما لا أحد يهاجر الى الصين او الى روسيا من اجل البحث عن فرصة افضل فى الحياة ولكن هذا هو المجتمع الأمريكى اما السياسة الامريكية وعلى لسانه فهى سياسة خربة وعندما تخرب سياسة الدول العظمى علينا ان ننتظر اخطاء عظمى أيضاً. لمزيد من مقالات د.مامون فندى