لم يكن العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة الأول، ولن يكون الأخير طالما يفلت القادة الإسرائيليون السياسيون والعسكريون من العقاب على ما اقترفوه من جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية ضد السكان المدنيين، ويتمادون فيها دون رادع قانونى أو وازع أخلاقي. فخلال السنوات الست الماضية اندلعت ثلاث مواجهات بين إسرائيل وحماس فى أعوام 2008-2009 وفى عام 2012، والمواجهة الحالية فى عام 2014، شهدت ارتكاب إسرائيل أبشع الجرائم التى تنتهك القانون الدولى الإنسانى الذى جسدته اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولان الإضافيان لها، وتجرم ارتكاب جرائم ضد المدنيين فى أوقات الحرب، وتتمثل الجرائم الإسرائيلية فى استهداف وقتل السكان المدنيين، ومعظمهم من النساء والأطفال، ففى مواجهة 2008-2009 قتل أكثر من 1300 فلسطيني، وفى المواجهة الحالية قتل ما يقارب 2000 فلسطينى وغالبيتهم من المدنيين النساء والأطفال، بينما غالبية الضحايا الإسرائيليين هم من الجنود، وكذلك استهداف المنشآت المدنية كالمستشفيات والمدارس، كما حدث فى الهجوم على إحدى المدارس التابعة للأمم المتحدة، والمساجد، وتدمير البنية الأساسية للسكان الفلسطينية فى غزة من طرق وكبارى ومحطات كهرباء بما يجعل الحياة فى القطاع مستحيلة، وتدمير عشرات الآلاف من المنازل ونزوح سكانها، واستخدام الأسلحة المحظورة دولية مثل القنابل العنقودية والفوسفورية الحارقة وغيرها من الأسلحة الفتاكة لقتل أكبر عدد من المدنيين، فى معركة غير متكافئة بين دولة تمتلك أحدث الاسلحة من طائرات ودبابات وبوارج حربية، والمقاومة الفلسطينية التى لا تمتلك سوى الأسلحة الخفيفة والصواريخ قصيرة المدى كصواريخ القسام، والتى تحقق توازن الرعب وليس توازن القوي. ورغم أن الجرائم الإسرائيلية فى غزة تعد جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب واضحة وتنتهك كل محظورات الاتفاقيات الدولية، بشهادة العديد من المسئولين الدوليين والمنظمات الدولية الحقوقية مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتش وواتش، حيث اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أن قصف المدرسة التابعة للأونروا جريمة حرب، وما حدث فى خزاعة وحى الشجاعية وفى خان يونس من قتل المدنيين أثناء فرارهم ورفعهم للرايات البيضاء، وكلها تندرج تحت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، رغم ذلك كله إلا أن هناك صعوبات سياسية وقانونية فى معاقبة وملاحقة مرتكبيها من الإسرائيليين. فسياسيا وفر الخلل فى موازين القوى والانحياز الغربى والأمريكى لإسرائيل غطاء وحصانة لقادتها بل شجعهم على تكرار جرائمهم، ورغم حالة الغضب الشديد داخل قطاعات واسعة من الشعوب الغربية إلا أن قادتها الرسميين لايزالون ينحازون لإسرائيل ويتغاضون عن جرائمها وتبريرها تحت ما يسمى حق الدفاع الشرعى عن النفس، رغم عدم وجود تناسب بين أفعال المقاومة، والمشروعة دوليا، وبين الرد الإسرائيلى التدميري. وقانونيا فإن خيار اللجوء لرفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية تواجهه صعوبات، فمن يملك حق رفع الدعوى هو إحدى الدول الأعضاء فى المحكمة، وحيث إن فلسطين ليست عضوا فيها، فقد رفض المدعى العام الأسبق للمحكمة أوكامبو أكثر من 400 دعوى خاصة بجرائم الحرب الإسرائيلية فى غزة عام 2009 بحجة أن فلسطين ليست دولة، وحتى بعد أن أصبحت دولة مراقب فى الأممالمتحدة فى نوفمبر 2012 مما يحق لها الانضمام إلى المحكمة، خاصة بعد أن وقع الرئيس أبو مازن على طلب الانضمام لتسع عشرة منظمة واتفاقية دولية فى أبريل الماضي، إلا أنه لن يتم المحاكمة إلا على الجرائم المرتكبة بعد عملية الانضمام، كذلك من حق مجلس الأمن تحريك الدعوى للمحكمة الجنائية تحت مفهوم تهديد السلم والأمن الدوليين، لكن الفيتو الأمريكى فى المجلس سيحول دون تحقيق ذلك. كما أن خيار تحريك دعاوى لملاحقة قادة الحرب الإسرائيليين أمام المحاكم الوطنية لبعض الدول التى تسمح بذلك مثل سويسرا وبلجيكا وهولندا، إلا أن اللوبى اليهودى نجح فى تغيير قوانين هذه الدول، وبالتالى كل هذا يعكس الخلل فى منظومة العدالة الدولية التى تحكمها الاعتبارات السياسية وازدواجية المعايير إزاء الجرائم ضد الإنسانية والتى تخضع لأهواء ومصالح وحسابات القوى الكبرى فى النظام الدولي. لكن مع ذلك هناك خيارات أمام العرب والفلسطينيين للتحرك لملاحقة ومحاكمة القادة الإسرائيليين مرتكبى الجرائم ضد الإنسانية، بالتزامن مع الخيارات القانونية، أولها قيام الجامعة العربية بتوثيق الجرائم الإسرائيلية فى غزة وفى الأراضى الفلسطينية، خاصة شهادات وسجلات المنظمات الحقوقية الدولية، استعدادا لما بعد انضمام فلسطين للجنائية الدولية، وثانيها إنتاج فيلم وثائقى بهذه الجرائم وترجمته للغات العالمية المعروفة لكشف الوجه الإجرامى لإسرائيل وديمقراطيتها المزيفة فى المحافل الدولية وأمام الرأى العام العالمي، وهنا يمكن أن يلعب الإعلام العربى دورا بارزا فى الترويج لهذا الفيلم عربيا ودوليا، وتوظيف التعاطف الدولي، كما حدث فى دول أمريكا اللاتينية والمظاهرات الضخمة التى خرجت فى كبريات العواصمالغربية منددة بالجرائم الإسرائيلية فى غزة. لاينبغى السكوت على الجرائم الإسرائيلية، فالاحتلال حتما إلى زوال ولن يفلت القادة الإسرائيليون من العقاب مهما يطل الزمن، فالجرائم لا تسقط بالتقادم. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد