قد يكون العنوان الرئيسى لهذا التقرير من موسكو مجافيا للحقيقة، لان الأمر كان يتعلق فى حقيقة الأمر بالسد العالي. لكن ما عثرنا عليه من وثائق يقول أن الاقتراح الروسى الذى بحثه ناصر مع الروس فى القاهرة، والمشير عبدالحكيم عامر فى موسكو كان يستهدف بالفعل تأسيس وزارة خاصة بالمشروعات الكبري. ولو تحولت «وزارة السد العالي» إلى هذا الهدف منذ ذلك الحين، لظهر فى القاهرة مترو الأنفاق فى الستينيات وليس فى الثمانينيات، ولساهم خبراؤها اليوم فى مشروع «قناة السويس الجديدة» بما تراكم لديهم من معدات وخبرات. وقد أثار خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى فى احتفالات بدء العمل فى مشروع قناة السويس الجديدة الكثير من ذكريات الأمس القريب، ولا سيما لدى من شرفوا بالعمل فى احد اكبر مشروعات القرن العشرين فى القارة الإفريقية، وهو مشروع السد العالي. وكانت توجيهات الرئيس بتقليص فترة انجاز عملية الحفر فى عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام، أعادت ما سبق وكان فى صدارة هموم الرئيس عبد الناصر فى كل مباحثاته مع الروس، رغبة من جانبه فى الانتهاء من بناء السد فى اقصر فترة ممكنة. وفى رسالته الى وزارة الخارجية السوفيتية التى بعث بها بتاريخ 25 يناير 1960 تحت رقم 33 «سري» قال يروفييف السفير السوفيتى فى القاهرة ان الرئيس ناصر وفى لقائه مع نوفيكوف وزير المحطات الكهربائية الروسية طلب «إبلاغ الحكومة السوفيتية رسميا بطلبه حول المشاركة فى بناء المرحلة الثانية من السد العالى وانه يفضل الحديث عن بناء السد كمرحلة واحدة دون تقسيم المشروع الى مرحلتين، وهو ما استجاب له على الفور رئيس الحكومة السوفيتية خروشوف». وكانت القوات المسلحة قد اضطلعت فى بداية المشروع بالعبء الأكبر وحتى تأسيس وزارة «السد العالي» التى يبدو انها كانت فكرة روسية أشار نوفيكوف لدى استقباله للمشير عبد الحكيم عامر فى لقائه معه فى موسكو فى 9 ديسمبر 1960. وتقول «الوثيقة رقم ف 087 ملف 21 ص 33» وهى محضر اجتماع الوزير الروسى مع المشير عامر بحضور سفير ج ع م عوض القوني، أن أسباب تأخير إرسال المعدات الروسية كان بسبب التعديلات التى أدخلت على هذه المعدات لتحمل حرارة الجو وظروف العمل فى أسوان. وقال الوزير ان العمل انتهى فى موضوع التصميمات قبل الموعد المحدد فيما استعرض عددا من الجوانب التقنية للمشروع، ومنها، ويا للمفاجأة (!) مسألة بحث إمكانية تركيب 14 وليس 12 توربينة لتوليد الكهرباء. وفى معرض الاستجابة لطلب سرعة الانتهاء من بناء السد العالى والتقليل من نفقات المشروع، قال الوزير الروسى انه طرح عددا من المقترحات ومنها نقل بناء المحطة الكهربائية من الشاطئ الأيسر للنيل الى شاطئه الأيمن، مما يوفر ستة ملايين جنيها، تضاف إلى أربعة ونصف مليون أخري، يمكن توفيرها من خلال الاستفادة من مخلفات الأنفاق فى بناء جسم السد. أما الاقتراح الأهم، والذى قال نوفيكوف: «ان عبد الناصر استحسنه ووافق عليه، فهو إنشاء «هيئة كبرى» لا يقتصر عملها على الإدارة وتوقيع الوثائق والاتفاقيات بل والمشاركة الإشراف المباشر على عملية البناء على أن يكون موقعها فى أسوان وليس فى القاهرة». وقال نوفيكوف بوجود مثل هذه الهيئة فى الاتحاد السوفيتي، تقوم ليس فقط بعمليات البناء والتنفيذ، بل وأيضا بالتعاقد من شركات ومؤسسات فرعية أخري، وهو ما رد عليه المشير عامر بقوله: «انه أمر منطقى يناسبنا ونحن فى حاجة إلى مثل هذه الهيئة».