كثر الحديث خلال الأيام الأخيرة عن كلمة العصيان المدني الذي دعت إليه بعض التيارات والحركات والائتلافات الثورية بهدف توصيل رسالة للحكام عن طلبات الثورة وأهدافها التي لم تحقق بعد. والعصيان كوسيلة قد يكون جائزا إذا لم يضر بالغير أو الوطن, ولكن إذا ما تعارض مع متطلبات الحياة اليومية للمواطنين فإن الإسلام يحرمه ويجرمه. يوضح كتاب بيان للناس الصادر عن الأزهر الشريف أن العصيان هو الخروج عن الطاعة, وهو كالفسق في مطلق الخروج علي حدود الله, وأن كان الأخير يغلب في الخروج الكثير وبالمعاصي الكبري, ويقول علماء اللغة: أصل العصيان أن يمتنع الإنسان بعصاه فلا يقربه أحد. ويحصل العصيان بالكفر كما قال تعالي في شأن فرعون عند غرقه وإعلان إيمانه الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين سورة يونس, ويحصل بما دونه من الذنوب كما قال تعالي في شأن آدم بعد أن نسي عهد ربه وأكل من الشجرة وعصي آدم ربه فغوي سورة طه. ويقول الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية ان العصيان بصفة عامة يمثل تمردا وخروجا علي النظام الموضوع للمجتمع والدولة, والذي بمقتضاه تنتظم الحياة اليومية وتتحقق به المتطلبات الضرورية والاعتبارات التي تحقق المصلحة للأفراد والجماعات, لذلك فإن لفظ العصيان كما يبدو من المسمي الذي يطلق عليه يعني انتهاكا وخرقا لأهداف المجتمع ومصالح الناس بكل ما يترتب عليه من خروقات وتجاوزات واضرار بمصلحة الناس وهي مصالح متنوعة تشمل كل القطاعات والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والاستهلاكية التي يحتاجها الناس ولا يتأتي لهم الاستغناء عنها للحصول علي متطلباتهم وقوام حياتهم. ويضيف الدكتور الشحات الجندي أن الشرع يجرم ويدين فاعلي العصيان كونهم قد حاولوا أو عطلوا أو اضروا بمصالح الناس بناء علي نصوص قطعية مثل قوله تعالي غير مضار وصية من الله سورة النساء, وقول الرسول صلي الله عليه وسلم, لا ضرر ولا ضرار فضلا عن أن هذا المسلك الذي يهدف به الداعون إليه إلي وقف العمل والامتناع عن تمكين الناس من قضاء حاجاتهم وتلبية مصالحهم, وهو ما ينافي خلق المؤمن ويتصادم في ذات الوقت مع مصلحة المجتمع, فضلا عما فيه من ضرر بالغ علي الدولة والأمة, لأنه يناقض قيمة العمل ويطعنها في الصميم, لأن قيمة العمل من القيم العليا التي أولاها الإسلام درجة كبيرة من الاهتمام وأمر بالقيام عليها وعدم التقاعس عنها تحت أي ظرف من الظروف كما جاء في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة, فان استطاع أن يغرسها فله بذلك أجر فما بالنا بهؤلاء الذين يريدون اسقاط هذه القيمة العظيمة التي تدعو إليها الأديان وتتقدم بها الأوطان. ويناشد الدكتور الشحات الجندي كل الغيورين علي أمر دينهم ووطنهم ومجتمعهم ألا يستجيبوا لهذه الدعوات الهدامة والمنكرة التي تؤدي إلي إلحاق الضرر الجسيم بمصر والثورة التي فجرها شباب مصر, وأجدر بالشباب أن يحذروا مثل هذه الدعوات التي تجهض أهداف الثورة وتحول دون بناء وطن قوي وتحقيق النهضة المنشودة, إذ كيف يمكن تحقيق المطالب الفئوية والمجتمعية في مجالات مختلفة مع الدعوة إلي شل قوي الإنتاج والعمل وصرف الجادين والمنتجين عن اعمالهم بدعاوي زائفة لا تخدم إلا أهداف اعداء هذا الوطن وتحقق مساعي القوي الأجنبية التي تريد اسقاط مصر واجهاض ثورتها والحيلولة دون استئناف مسيرتها الريادية والحضارية. ويوضح الدكتور رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر وعضو مجمعي البحوث الإسلامية وفقهاء الشريعة بأمريكا أن نصوص القرآن الكريم ونصوص الأحاديث الشريفة ناطقة بتحريم الإضرار بالنفس أو بالغير, ومن الواضح جدا أن الدعوة إلي العصيان المدني هي دعوة تؤدي إلي الإضرار بالأمة وليس إضرارا بفرد من الأفراد, فلو حدث تنفيذ هذا العصيان الذي تدعو إليه طائفة من غير المدركين للنتائج الخطيرة التي ستحدث جراء ذلك, فالاستجابة لهذا تؤدي إلي تعطل المدارس والمواصلات العامة والمياه والكهرباء وأفران الخبز وصرف الأموال من البنوك, وقد تكون هذه الأموال ذاهبة لأرامل أو أيتام ينتظرون صرفها للانفاق عليهم, فهذا هو الضرر العام الذي يتناقض مع نصوص الشرع الناهية عن الاضرار بالنفس أو بالغير, وإذا كان الضرر منهيا عنه سواء كان بالفرد نفسه أو بغيره من أفراد آخرين محصورين, فإن الضرر العام بالدولة يكون أشد وأعظم إثما, وعلي الذين يرفعون هذه الدعوة أن يتقوا الله في أنفسهم وفي مصر التي تحتاج الآن إلي استقرار واداء كل فرد من أفراد الشعب لواجبه في موقعه.