يأتي رمضان ولياليه الرمضانية وبعده العيد فيرد للفرقة « المنسية اعتبارها يفرح أعضاؤها الذين شربوا الصنعة أبا عن جد بالاتفاق مع متعهد ي الحفلات .. يستعيدون نشاطهم وأمجاد الماضي حين لم يكن « الفرح « فرحا إلا حين تحييه فرقة حسب الله بآلات « الطرمبيطة » و«الكلارينت » والبمبارزينا « ولما لا وقد طافت الفرقة في أيام عزها أوروبا ، وحضر « الشاويش « حسب الله مؤسسها قبل 100 عام حفلات الخديوي عباس في قصر عابدين .تفاجئ الفرقة بزيها الأحمر المستوحي من فرق الحرس الملكي البريطاني نزلاء الفنادق بهدير الموسيقي النحاسية ذات الصخب المحبب تصبح «نمرتهم « وسط الأجواء الاحتفالية الأكثر حضورا وبهجة وتتحول أغانيهم إلي عطر يفوح بأصالة ذكريات الزمن الجميل.
منذ أكثر من سبع سنوات لتقيت عم «خلوفة» أكبر أعضاء الفرقة وقد تجاوز سنه وقتها السبعين عاما حدثني عما أصاب الفرقة وشارع محمد علي الذي شهد مولدها فقد تحول من شارع نجوم إلي مجرد امتداد طويل متعرج تتساقط علي جوانبه السلالم العتيقة ،وتتداخل فيه منحنيات الأزقة القديمة لكل هذا كان لابد أن يكون هذا الشارع هو مدخلنا إلي الفرقة. أنشأ الخديوي إسماعيل شارع محمد علي ليصل بين مقر حكمه في القلعة وحي الأزبكية بحيث يكون سكنا للأمراء والباشوات وعلية القوم لكن الشارع ارتبط فعليا ببداياته دخول الفنون الحديثة لمصر مثل الغناء والتمثيل والرقص بالإضافة إلي تصنيع الآلات الموسيقية الشرقية كما لمعت فيه أسماء أمثال الشيخ أبو العلا محمد وعبده السروجي وإسماعيل ياسين وعلي الكسار ونجيب الريحاني ونعيمة عاكف ومحمد العزبى وعدويه وشفيق جلال. كانت البداية الفنية للشارع في مستهل القرن الماضي حين زار مصر عدد من افراد السيرك الألماني ليقدموا عروضهم في أحياء القاهرة وأقاموا عدة شهور في مدخل الشارع وخلال هذه الفترة انضم لأعضاء السيرك ثلاثة من شباب شارع محمد علي وهم عبدالغني هلال ومحمد صبري وإسماعيل عاكف جد عائلة عاكف الشهير في عالم السرك شارك الثلاثة في عروض السيرك التي طافت القاهرة ، ثم سافروا إلي ألمانيا ليقدموا مع أفراده عروضا طافت جميع إنحاء أوروبا ولما عادوا أخذوا يبحثون عن مقر لهم يقدمون فيه ما تعلموه من فنون السيرك الأوروبي وفي النهاية استقر بهم الحال في شاع محمد علي وبعد شهور قليلة انتشرت الألعاب البهلوانية بمصاحبة « المزيكا» وظهرت الفرق النحاسية ومنها فرقة حسن صفا وطه أبو مندور والبكري وفرقة حسب الله الكبير الذي تميز عن غيره وصار صاحب أشهر الفرق الموسيقية النحاسية في مصر. في طريق البحث عن أفراد فرقة حسب الله في شارع محمد علي تعرضت لعملية نصب من شاب يعمل في محل لبيع الآلات الموسيقية عندما سألته عن مكان القهوة التي تجلس فيها فرقة حسب الله فأكد لي أنه أحد أفراد الفرقة وصدقته للوهلة الأولي وطلبت منه بعض المعلومات عن تاريخ الفرقة وعن « الشاويش « حسب الله وكيفية الحديث مع باقي أعضاء الفرقة ظهرت علامات القلق على وجهه وطلب أن أمهله بعض الوقت للاتصال بهم وتجميعهم وانتظرته لمدة طويلة وحين عاد قال لي إنهم يرفضون الحديث للصحافة دون مقابل مادي فتأكدت من صدق حدسة وعرفت أنه يكذب فتركته واستأنفت البحث مرة أخري في مقهى نجيب السواق عثرت علي الريس عزت الفيومي أكبر عضو بالفرقة يعزف علي « الطرمبيطة » وهي ألة نحاسية تشبه « الساكسفون » والريس حسنين مصطفي وعبد الحميد والسيد لطفي وقبل أن نبدأ الحديث طلبت منهم أن نجلس في المكان الذي يتخذونه مقرا لهم فرحبوا ودلفنا عبر حارة متفرعة من الشارع ودخلنا شقة صغيرة جدا لا تسع إلا الآلات الموسيقية «واليونيفورم «الرسمي الذي يرتادونه في الحفلات. في البداية سألت عم عزت عن حسب الله مؤسس الفرقة فقال لي إنه كان شاويشا في فرقة موسيقي سواري الخديوي عباس وتمكن من الاستقالة ليكون أول فرقة نحاسية موسيقية في الشارع وأرتدي أفرادها زيا موحدا شبيه بزي رجال الحرس الملكي البريطاني أنذاك وكان أفراد الفرقة ينتظمون في صفين وهم يسبقون موكب العريس في أفراح زمان والطبل البلدي وكان العزف سماعيا لا يحتاج إلي نوتة موسيقية وكانت علي رأس المعزوفات التي كانت تقدمها الفرقة السلام الوطني » القديم « للدولة وكان موروثا منذ عهد الخديوي يقول مطلعه « أفندينا دخل الديوان .. العسكر ضربوا له سلام » يضيف الرس عزت قائلا كان الشاويش حسب الله يحي أفراح الباشاوات والأمراء وحضر الحفل الذي أقامه الخديوي عباس أمام قصر عابدين كما سافر إلي دول أوروبا ،حيث ذاع صيته في ذلك الوقت حيث كان صاحب أشهر فرقة موسيقية في مصر والوطن العربي. أما عن كذابين الزفة فيقول علي العمدة: هي فكرة من اختراع الشاويش حسب الله وعددهم خمسة بالإضافة إلي أعضاء الفرقة الأصليين وعددهم 6 أفراد وبذلك يكون عدد الفرقة بالكامل (11) ويقتصر دور الكدابين علي الوقوف في صفين أمام موكب العريس والتهليل له وكان ذلك بغرض زيادة الاجر والنقطة لان الفرقة ستأخذ حسابها علي اساس 11 فردا وليس ستة افراد وأطلق عليهم كدابين الزفة لانهم ليسس لهم دور حقيقي. ثار الريس عزت عندما سمع اسم الفنان عبد السلام النابلسي الذي جسد شخصية الشاويش حسب الله وقال ما فعلة عبدالسلام النابلسي في فيلم شارع الحب كان تشويها لتاريخ الشاويش حسب الله وأنا لا أحب مشاهدة هذا الفيلم ولا أحب عبد السلام النابلسي لانه قدم صورة مهينة لنا وكأننا فرقة من العاطلين الذين لا يجدون قوت يومهم وهذا عكس ما كانت علية الفرقة في ذلك الوقت حتى أن الشاويش حسب الله كان زر حذائه من الذهب الخالص وكان يمتلك عمارة في الشارع نفسه الذي ارتبط بمحلات وورش تصنيع المزمار والعود والرق بالإضافة الي انتشار المقاهي التي كان يجلس فيها كبار الفنانين . يصف الريس حسانين مصطفي حال الفرقة اليوم قائلا: حالنا لا يسر عدوا ولا حبيبا «لان مهنتنا أصبحت مهنة من لا مهنة له وانا مثلا ورثت العمل في الفرقة عن والدي لكن هناك دخلاء وقد رايت بنفسك ذلك وأنت تحاولي الوصول الينا إذا أراد شخص فرقة لاحياء حفل أو افتتاح محل وتصادف وسأل شخصا من الشارع يقوم هذا الشخص بتجميع بعض الشباب من أصدقائه ويقومون باستئجار آلالات النحاسية والملابس ويحيون الحفل بدلا منا ونحن نجلس علي المقهي ننتظر فرج الله وفي أحيان كثيرة يطول الانتظار لأسابيع وشهور يقول السيد لطفي رمضان والعيد هو الموسم الذي يرد الاعتبار ففي الخيام الرمضانية والأعياد نشعر فعلا بكياننا كفرقة محترمة لها جمهور يحبها وينتظرها وإن كان متعهدو الحفلات لا يعطوننا أجرا كبيرا لأنهم يعرفون ألبير وغطاه ومن المشاكل التي تواجههم يقول الريس مصطفي: ارتفاع اسعار تأجير الآلات الموسيقية مشكلة كبيرة لأنها مستوردة ولا نقدر علي شرائها بالإضافة إلي حظر ارتدأ الملابس الكاكي الا بتصريح من وزارة الداخلية .