الرؤية هى النظر على مساحة واسعة طولا وعرضا وعلى محور الزمن إلى أبعد مدى كما تعنى أيضا النظر الى كل شىء كبيرا أو صغيرا لخدمة خطط على هذا المدى وترجمتها إلى أهداف وبرامج . والإرادة هى الرغبة و القدرة على الفعل وإنجازه مهما تكن صعوبته بإيجاد الوسائل والإمكانات اللازمة لتحقيقه . والاقتصاد هو المحصلة النهائية التى تعكس مدى نجاح الرؤية وقوة الإرادة تخطيطا و إصلاحاً كما أنه الناتج من وفرة الموارد والأنشطة وأسلوب ادارتها وتنميتها بالتحسين والتطوير . والاقتصاد يعكس أيضا بشكل غير مباشر مستوى التعليم والصحة والبحث العلمى وغيرها من وسائل تقدم المجتمع فلا يمكن تصور اقتصاد قوى بكفاءات ذات تعليم متدن أو صحة عليلة أو بحث علمى لا يضيف للمجتمع شيئاً ناجزاً . كما يعكس نشاط وإنتاجية العاملين مهما تكن وظائفهم الفنية أو الإدارية . كما يدلل الاقتصاد على نجاح أو فشل تعظيم وإدارة هذه الموارد . هذا كله بشكل عام ينطبق على كل المجتمعات والدول الصغيرة منها والكبيرة . وعندما نتكلم عن الشأن المصرى فالموارد هائلة رغم ما يعتقد البعض أنها موارد ضعيفة سواء كانت موارد طبيعية أو إنتاجية أو سياحية أو زراعية وغيرها فقوة الموارد ليس فى حجمها فقط ولكن فى تنوعها وإدارتها فالثروات الطبيعية فى (1) مصر مقارنة بدول أخرى أقوى اقتصاديا فهى فى مصر الأفضل . فالبترول والغاز مهما قيل بشأن نضوب هذه الموارد فهى أفضل من دول أخرى وأن جهود الاكتشاف لم تحقق ظهورا كافيا لهذه الثروة فلا يعقل أن تحاط مصر بدول مجاورة على بحيرات من البترول بما يحتم التركيز على الاكتشاف . ومن الموارد الطبيعية ثروة لا توجد فى دول أخرى كثيرة منها مدى استغلال الطاقة الشمسية كما تستغلها دول لا ترى الشمس سوى فى ساعات اودقائق قليلة . والثروة المعدنية هائلة ففيها كل الخامات النادرة فى كل صحراء مصر والتى يتم إهدارها دون قيمة تذكر سواء بالتصدير أو بسوء الاستغلال . ورغم ما يقال عن نهر النيل العظيم فى أن مياهه غير كافية فأمنية أى دولة أخرى أن يهبها الله مثل أو نصف هذا النيل الذى يساء استغلال مياهه فى طرق الرى و التلويث والهدر فى مياه الشرب والإلقاء فى البحر رغم الحاجه الماسة للتوسع الزراعى . وماذا فعلنا أيضا فى استخراج المياه الجوفية رغم أن هناك دولا تعيش عليها . ثم نأتى إلى الآثار فمصر تمتلك ثلث آثار العالم أى لدينا ثلث ما تمتلكه 190 دولة أخرى تقريبا فهل تم استغلال هذا المورد العظيم . إنه لمن المفترض نظريا أن يكون دخل مصر من السياحة ثلث ما يدخل للسياحة فى باقى الدول فدخل هذه الدول مئات المليارات من الدولارات ونفرح فى مصر بدخل السياحة إذا بلغ 12 أو حتى 15 مليار دولار فى أحسن الأحوال . هل توجد دولة فى العالم لديها مرفق لتنمية التجارة مثل قناة السويس بالطبع لا. نكتفى ونفرح عندما يصل دخل هذا المرفق الفريد إلى 5 مليارات دولار سنويا وفى حدود الرقم نفسه من سنوات عديدة فهل عظمنا الاستفادة من هذا المرفق بمشروعات وتوسعات و إنشاء صروح عالمية على ضفتى القناة ليكون دخلها ليس أقل من 50 أو حتى 100 مليار دولار برؤية ممتدة لعشرات السنين . هل توجد دولة ذات موقع جغرافى كموقع مصر . إنها مركز الكرة الارضية يحدها بحران يمثلان حركة التجارة الدولية فهل تم إستغلال هذه الشواطئ إقتصاديا بعيدا (2) عن الفيلات والمنتجعات والتى لا تضيف للإقتصاد شيئاً كبيرا بل هى احيانا عبء عليه. هل تم إستغلال قرب موقع مصر من أوروبا بالكامل والخليج بالكامل وإفريقيا لتكون محطة لكل صادرات هذه الدول منها وإليها فهل تم إستغلال ذلك فى تعظيم الصادرات المصرية . لقد أكتفينا بعشرين أو خمسة و عشرون مليار دولار سنويا تحقق دول أصغر منا و أبعد عن أوروبا أرقاما قياسية بما يزيد عن مائة مليار دولار سنويا . وهل تم إستغلال المناخ فى مصر بشتائه وصيفه بإستحداث زراعات يصعب نموها فى دول أخرى أم أكتفينا بالسلع التقليدية من بطاطس وخضروات و موالح . لقد تخصصت دول فى تصدير الزهور العادية و النادرة و غيرها من الزراعات الجديدة . ولنأتى من إستغلال الموارد الطبيعية إلى الموارد البشرية والتى تتفوق فيها مصر عدداًيقارب التسعين مليونا فهل تم إستغلال القوةالعامله فيها أو إستغلال وتعظيم الإستفادة من الخبرات المصريه ففيها من العلماء و الخبرات ما لا يوجد فى كثير من الدول . وهل يتم إدارة الموارد البشرية بالتدريب ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب . إن إدارة الموارد الطبيعية والبشرية والتعظيم المستمر لهذه الموارد هو المحور الرئيسى لإدارة الإقتصاد المبنى على مزج العلم الحديث بالخبرات المتراكمة التى تحقق التنمية الصناعية و الزراعية والسياحية و غيرها من المجالات . بإختصار فإن حسن إدارة الموارد بكافة أنواعها هى حسن إدارة للإقتصاد والذى يجب أن تتم إدارته بما يشمل كل الموارد كما يجب أن يديرها كفاءات لها خبرة علمية وتطبيقية وفى كل المجالات و أن تبدأ جهودها بالرؤية و ترجمتها إلى أهداف و برامج لتحقيق هذه الرؤية كما يجب الإستفادة من كل الدروس والعبر الحسنة والسيئة ومنها الهدر فى الإنفاق العام والبطالة المتزايدة أو المقنعه وسوء الترشيد الحكومى وتفاقم مشكلة الدعم دون مواجهة لسنوات عديدة وعدم الربط بين الأجر والإنتاج كلها مسالب تحتاج المواجهة الرشيدة و التعامل مع الواقع و الإنجاز و ليس العبارات و التصريحات . يترجم كل ذلك فى خطة واحدة لها عديد من المحاور التى يتم تنميتها وتطويرها على الدوام , والواقع أنه لا (3) توجد حاليا هياكل تقوم بهذا العمل المجمع لإدارة كل الموارد و تعظيم الاستفادة منها بما يتطلب إعادة وزارة الاقتصاد ولكن بمفاهيم جديدة وكما هو موجود فى معظم الدول .لقدحلت التجارة الداخلية و الخارجية محل هذه الوزارة وهناك فرق كبير بين التجارة و الاقتصاد كما أن هناك فرقا بين التخطيط والاقتصاد فالتجارة ترتبط بمنجزات إدارة الإقتصاد والتخطيط هو ترجمة أنشطة الاقتصاد إلى خطط زمنية و متابعات تنفيذية . والخلاصة أن الدولة المصرية غنية بمواردها العديدة التى لا يتم إدارتها بكفاءة وعلى مدى سنوات عديدة لتحقيق اقتصاد قوى دائم التطور . كما أن الاقتصاد المصرى لا يعكس تنوع وتعدد الموارد المصرية الطبيعية . إنها فرصة فى هذا العصر الجديد لتحقيق الرؤية والإرادة المفقودة منذ زمن بعيد لإيجاد اقتصاد قوى يترجم ما منحه الله مصر من موارد وما يليق بمكانتها بين الدول وبما يعود على شعبها الطيب بالخير والحياة الكريمة فى ظل عهد جديد مخلص وجاد بدأ فى فتح كل الملفات . لمزيد من مقالات محمود عيسى