«بعد معاناة طول السنة وفرت ألفين جنيه من الأرض، ومش عارف أدفعهم إيجار والا أوكل عيالي والا أعمل العملية فى عينى، وبعد تفكير قررت أعمل العملية، عشان لو حبسوني أشوف طريقى جوه السجن». هى كلمات أطلقها فلاح أسيوطى بائس في وجوهنا جميعا ووجه السلطة ووواضعى القوانين لعلها تثير في نفوسهم الشفقة لحاله والرحمة به، لنتحمل مسئوليتنا الإنسانية تجاهه، ولم يكن هذا الفلاح وحده من يصرخ في تلك البقاع البعيدة، فقد غرقت قرى بأكملها وسط جبال القمامة التى أحاطت بها، يستغيث أهلها من القوارض والحشرات وجيوش الكلاب الضالة والأفاعى في «زاوية صقر» و«الحلوجة» و«العشرة آلاف». وهناك في قرية «الجرايدة» مسقط رأس الزعيم الوفدى فؤاد سراج الدين ستجد مواطنا ذاب وطنية وإيثارا وحلم بحياة ديمقراطية، فقرر بعد معاهدة 1936 أن ينجب أبناء تذكره أسماؤهم بمطالبه، «وطنية واستقلال وحرية ومعاهدة ولبنان والمنصورة»، ومع ذلك فإن أبناءه اليوم فى القرية وجميع سكانها، لايزالون يبحثون عن حقوق التعليم والمياه والمواصلات، يبحثون عن الحياة. هذه ليست مجرد قصص أشخاص فى ثلاث قرى، بل حكاية ملايين فى «مصر الأخرى»، غمرهم الفقر والحرمان فى غياهب النسيان، فإلى أوجاعهم تعالوا، لعل البوح يضمد بعض الجراح، أو يجد من يسمع صداه من المسئولين، فيتذكروا أنهم مسئولون، ويقوموا بواجباتهم تجاه هؤلاء المهمشين، ملح الأرض، الذين تخلت عنهم الحكومات والمنظمات الأهلية وذلك المجتمع المدني الذي لايصل سوى الى قرى الكاميرات، فإلى مصر الآخرى، نعبر معا خلال هذه السطور.
عقيل أسيوط.. إنهم يذبحون الفلاحين فى قلب الجزيرة أسيوط حمادة السعيد ووائل سمير: اكتمل عقد المآسى على أهالي جزيرة عقيل التابعة لعزبة عقيل بمركز البداري بأسيوط ولأن المصائب لا تأتي فرادي فلم يكد الفلاحون يفيقون من الإرتفاع الجنوني لأسعار الوقود حتى فوجئوا بالحكومة تذبحهم وترفع أسعار إيجار أراضي طرح النهر للضعف تقريبا ليصل إيجار الفدان إلي 4 آلاف جنيه سنويا هذا بخلاف نفقات الري والسماد والحصاد وغيرها من تكاليف الزراعة التي باتت بين عشية وضحاها تفوق نتاج المحصول ليتحول الوضع إلي مأساة حقيقية يعيشها الفلاحون الذين لا يجدون قوت يومهم ولا يجدون أي دعم من الحكومة سوي الشعارات الرنانة والوعود الزائفة . إسماعيل فهمي عقيل "70 عاما " يقول: قام الاصلاح الزراعي بحصر أرض الجزيرة في بداية الخمسينيات باعتبارها أرض طرح نهر وقام بتوزيعها على الفلاحين معدومي الدخل بقيمة إيجارية رمزية وظلت تزداد هذه القيمة بنسبة متقاربة حتى يوليو2011 لتصل لنحو412 جنيها للفدان بواقع 17 جنيها للقيراط وكنا ندفعها بانتظام، حتى جاء شهر يوليو 2012 وكانت الفاجعة حيث ارتفعت قيمة إيجار الفدان لتصل لمبلغ 2000 جنيه وهو ما أعجز الأهالي الذين لا يملكون من حطام الدنيا شيئا . فيما يصرخ عبدالله على همام "80 سنة": بعد معاناة العام كله :"وفرت ألفي جنيه من الارض ولا أدري ادفعهم ايجار والا أوكل عيالي والا اعمل عملية في عيني علشان أشوف طريقي وبعد تفكير قررت أعمل العملية حتى لو حبسوني أشوف طريقي جوه السجن"¡وبنبرة ملؤها الحزن قال إن سكان العزبة والذين يعتمدون على هذه الارض يعانون الأمرين في مشكلات لا تنتهي بداية من عدم وجود مياه شرب نقية بالجزيرة حيث يعتمد الأهالي والأطفال على الشرب من النهر وهو ما يترتب عليه إنتشار الأمراض ، ولك أن تتخيل أن مساحة 30 قيراطا تعتمد عليها أسر مكونة من 15 شخصا على الأقل ¡وبالتالي فإن ما يحدث خراب بيوت نروح فين وهي مصدر رزقنا وفاتحة بيوتنا " ويشاركه الرأي عاطف عبداللاه "66 سنة " تظلمنا من القرار وانتظرنا أي ردود أفعال من المسئولين ففوجئنا بدلا من خفض القيمة برفع السعر ليصل ل4آلاف جنيه وهو ما بات يهددنا جميعا بترك هذه الأراضي بوارا وتشردنا نحن وأطفالنا. محمد إبراهيم محمود يؤكد أن ما لا يعرفه المسئولون أن أرض الجزيرة لها طبيعة خاصة مرتفع وهو ما يؤهلها لأن تزرع طوال العام والآخر منخفض تغمره المياه صيفا ومن ثم لا يمكن زراعته هذا بخلاف الترشيح أي أن نصف الجزيرة تزرع بزرعية واحدة فقط في الوقت الذي لا يرحمنا فيه المسئولون وحتى لم يكلفوا أنفسهم للنزول على أرض الواقع ويقومون بتحصيل الضريبة كاملة عن كامل أرض الجزيرة التي تغرق أكثر من نصفها المياه. كما أن هناك مشكلة كبرى وهي التكلفة المرتفعة جدا بالنسبة لعملية الزراعة نظرا لأن أرض الجزيرة لا يربطها بالعزبة كوبرى أو أى رابط برى وهو ما يجعل مجرد نقل أي محصول هو رحلة من العذاب حيث يظل القارب الخشبي هو الوسيلة الوحيدة للنقل من وإلى الجزيرة رغم كم المخاطر المترتبة على ذلك بل وحتى القارب نفسه لا يملكه سوى بعض المزارعين لإرتفاع ثمنه، وعندما نحاول إدخال جرار زراعي إليها لحراثة الأرض فالأمر يتطلب الحصول على موافقة من حماية النيل والمسطحات المائية كي تقوم العوامة بنقل الجرار الزراعي للجزيرة بتكلفة عالية جدا. هاني عبدالله" حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية نظرا لارتفاع تكلفة الزراعة في الجزيرة وعدم وجود أي دعم من الزراعة فان تكلفة "الزرعية" الواحدة تصل لنحو خمسة آلاف حيث قمنا بشراء التقاوى بسعر 300 جنيه لشيكارة التقاوى 5 كيلو في حين أن أردب الذرة الذي يصل ل 164 كيلو يباع ب 400 جنيه كما أن التربة الرملية تمثل عبئا وتحتاج لخدمة مستمرة وزاد من المعاناة ارتفاع أسعار الوقود أخيرا وهو ما سيترتب عليه هجرة هذه الاراضي كما أن عملية الري في حد ذاتها مكلفة جدا.. واختتم الاهالي كلامهم بمطالبة محافظ أسيوط ووزير الزراعة ورئيس الوزراء وقبلهم رئيس الجمهورية بسرعة التدخل خصوصا أن الصرافين يهددونهم بالسجن.
جرايدة كفرالشيخ.. بنات معاهدة 36 تهتف ضد 2014 كفرالشيخ علاء عبدالله: قرية الجرايدة بمركز بيلا فى كفر الشيخ، مسقط رأس الزعيم الوفدى الكبير فؤاد سراج الدين، يقطنها حوالى 150 ألف نسمة وهى مجلس قروى يتبعها 17 قرية غير العزب التابعة لها، الا أنها ينقصها الكثير من الخدمات رغم أنه يسكنها مجموعة من العائلات التى لها مكانتها المرموقة فى المجتمع ومن بينها عائلة فؤاد سراج الدين. يقول سعد شعبان سلام أحد الأهالى ولدت فى قرية الجرايدة وعشت فيها، وأذكر أن والدى وبسبب معاهدة 1936 صمم على تسمية بناته الستة بأسماء مطالب المعاهدة، فسماهم وطنية واستقلال وحرية ومعاهدة ولبنان والمنصورة. وتعتبر القرية من أكبر قري المحافظة على الإطلاق ، ورغم وجود تفكير منذ مدة طويلة لدي المسئولين لتحويل القرية إلي مدينة فإن الخدمات المهمة والأساسية لأهالى القرية تكاد تكون معدومة فالطرق متهالكة ومياه الشرب سيئة والوحدة الصحية ليس لها دور وغيرها من المرافق المهملة بالقرية والتى تسببت فى معاناة شديدة الأبناء القرية. يقول السيد عبدالفتاح من الأهالي إن القرية نسيها المسئولون عن محافظة كفرالشيخ عن عمد منذ زمن بعيد ولم يقدموا لها أي خدمات رغم انها ربما تكون أكبر قرية بالمحافظة ويشير أحمد عبدالحميد موظف الي تدهور حالة الطرق التى لم يتم رصفها منذ ما يقرب من 35 عاما فحتي الطريق العمومي الجرايدة بلقاس لا يمكن السير عليه بطريقة مريحة لانه ملئ بالمطبات والحفر التي تؤدي الي تدمير السيارات. فيما يؤكد علي السيد من أبناء القرية تردي الخدمات الصحية بالقرية التي كان بها وحدة صحية علي أعلي مستوي تقع علي مساحة خمسة أفدنة لكنها لا يوجد بها أدوية ولا أجهزة والأطباء لايتواجدون خلال الفترة المسائية والمباني الإ دارية مهملة وكل ماتقوم به هو تحويل المرضي إلي مستشفي بيلا المركزي أو كفر الشيخ العام لعدم وجود خدمات بالوحدة, أما طارق محمد موظف من الأهالى فيقول انه رغم إنشاء محطات صغيرة لمياه الشرب إلا أن مياه الشرب ملوثة لتلوث المصدر بالإضافة إلي عدم وجود كيميائي متخصص بأي محطة بالمعامل ويقوم العمال بوضع الشبة والكلور دون اشراف فني وكيميائي. ويقول علي السيد (طالب) ان شبكة الكهرباء لم يتم تجديدها منذ أكثر من 20 عاما وان الصرف الصحي بالقرية بدأ تنفيذه منذ اكثر من عشر سنوات ورغم الانتهاء منه ووجود محطة كبيرة علي أعلي مستوي فإنه لم يتم توصيل الصرف إلي منطقة منشأة الجرايدة التي تقع علي بعد امتار قليلة جدا من المشروع. وأضاف أحمد عبده موظف الى أن مجلس المدينة يلقى بالقمامة فى مياه الترعة الرئيسة مصدرالمياه لمحطة الشرب وكذلك يقوم بحرق القمامة على شط الترعة. من جانبه، قال المهندس عبد الخالق غنيم رئيس مركز ومدينة بيلا على مسئوليته، انه تم رصف الطريق العمومي بلقاس الجرايدة بتكاليف أكثر من 2 مليون جنيه كما تم رصف الطريق الرئيسي بالقرية. وبالنسبة للوحدة الصحية فإن العيادات الخارجية تعمل بكامل طاقتها طبقا للإتفاق مع وكيلة وزارة الصحة، وفيما يتعلق بمياه الشرب فإن القرية بها محطة شرب علي أعلي مستوي، وأن جميع مشاكل القرية يتم حاليا دراستها والإستجابة لها والعمل على حلها خلال الفترة القليلة القادمة. أبوالمطامير.. صرخات مكتومة تحت جبال القمامة البحيرة - إمام الشفى: إحتلت تلال القمامة شوارع أبوالمطامير وحاصرت سكانها وتراكمت أمام أبواب المدارس والمستشفيات حتى وصل الأمر لإغلاق بعض الشوارع ومداخل العقارات بشكل ينذر بكارثة بيئية وصحية ،وتعالت صرخات المواطنين بعد فشل المحليات أمام جبروت وقوة أكوامها التى تزداد ارتفاعا كلما تعمقت الخطى بالسائرين فى عزب بريك يونس وأبو كشيك وعاشور ورباط الكوم وهوما أدى الى إنتشار القوارض والثعابين والكلاب الضالة وجيوش الحشرات التى تشكل خطرا داهما، يؤكد أحمد القصاص أحد أبناء المدينة استمرار تردى أحوال النظافة الى أدنى مستوى وانتشار أكوام القمامة التى تعج بها الشوارع والأرصفة والميادين خلال السنوات الأخيرة خاصة شوارع المركز وبورسعيد والطريق الدائرى الجديد ومحطة الأتوبيس إضافة الى ترعة الحاجر التى تكسو جوانبها تجمعات القمامة والروائح الكريهة المنبعثة منها أما هانى غريب ناشط سياسى فيقول أن هناك قرى غرقت وسط جبال القمامة مثل صقر" و"الحلوجة" و"العشرة آلاف" مشيرا الى ان المسئولين بالمحليات لا يحركون ساكنا واخفقوا فى حل الأزمة فدورهم فى جمع القمامة ضعيف جدا والعمال تفرغوا لجمع "حسنة شهر رمضان " وانتشروا فى الطرقات وتركوا عملهم الرئيسى ورغم تحصيل رسوم النظافة من المنازل والمحلات إلا أن مستوى النظافة يسير من سيىء إلى أسوأ ويأس الأهالى من الشكاوى والإستغاثات لدى المسئولين دون جدوى . وفى رد فعل غريب من رئيس مدينة أبوالمطامير عبد الحميد اللبودى الذى لم يتحدث عن قلة العمالة أو عدم توافرالمعدات لنقل القمامة، الا أنه نفى وجود المشكلة من الأساس، رغم التقاط عدسة " الأهرام " للعديد منها فى مناطق متفرقة مشفوعة بشهادات الأهالى مؤكدا أنه تم القضاء نهائيا على تجمعات القمامة!