يتصور أغلب المحتالين وأصحاب الأطماع أن حيلهم غير مكشوفة، وأن فى قدرتهم مواصلة النصب على ضحاياهم والتلاعب بهم عن بعد، كأنهم عرائس ماريونيت، يحدث هذا على مستوى الدول، وعلى مستوى الأفراد وتصبح لحظة الذروة هى لحظة سقوط الأقنعة واكتشاف نوع الحيلة وخيوط المؤامرة.. يقدم الكاتب والشاعر على أبوسالم فى «عشق الهوانم» قصة من قصص الخيال الطريفة فى قالب مسرحى شديد الجاذبية بحوار بسيط ومكثف وأغانى بالغة الجمال والعذوبة تؤدى دورها الضرورى فى نمو الصراع الدرامى والكاشف عن أعماق الشخصيات من ألحان الموسيقار عطية محمود، وغناء الصوت المسرحى الواعد نهاد فتحي. المسرحية تحكى عن امرأة فى منتصف العمر، تعيش بعد وفاة زوجها الملقب بالطيب فى قصر كبير مع ابنتها الوحيدة الشابة، تأتنس كل منهما بالأخري، وتخفيان حاجتهما لوجود مشاعر حب من نوع آخر، ورجل يشارك فى حمل المسئولية، ثم تأتى فتاة غجرية هاربة من مطاردة ما وتطلب اللجوء لبيت الطيب، فتقبلها الأم خادمة بشرط ألا تحاول دخول غرفة زوجها الراحل، والمغلقة منذ وفاته.. وتشرع الفتاة الغجرية فى التحايل لدخول الغرفة وسرقة ما بها من كنوز، وأوراق ملكية القصر والأرض المحيطة به. وهكذا تتحايل بعدة طرق لاستلاب إرادة الأم عن طريق القهوة المحوجة والمحملة بمواد مخدرة تدخلها إلى الإدمان، ثم تحاول أن توقع بين الأم وابنتها عن طريق إقناعهما بوجود فارس نبيل يجلس عند بوابة القصر عاشقا يقدم الزهور الحمراء للمرأة التى ملكت فؤاده.. وهكذا تختلف الأم وابنتها لأول مرة، وتنمو مشاعر الغيرة والحقد فى قلبيهما إلى أن يفطنا للمؤامرة ويقررا الانتقام من الفتاة الغجرية، فتكون غرفة كنوز الطيب مقبرة للطامع فيها. كانت الرسالة السياسية والاجتماعية التى حملتها المسرحية واضحة وقوية وغير مباشرة فى الوقت نفسه، بمعنى أن المؤلف ضمن رسالته فى إطار من الفن الجيد، ولم يسقط فى فخ الخطابة وإلقاء المواعظ فى غير مكانها.. قامت الفنانة القديرة ناهد رشدى بدور الأم الطيبة حسنة أو حسن، وهو اسم الرجل الذى تداعبها به ابنتها، لشدة جديتها وتعاملها كالرجال من باب الوقار وحماية البيت، وقد أجادت تجسيد الشخصية وإظهار المشاعر المتناقضة بين التعطش للحب والحياة، وبين الحرص على أمومتها والعيش من أجل ابنتها. كما أجادت ريم أحمد دور الفتاة الشابة الشقية المدللة والمتطلعة للحب أيضا، واكتشاف المجهول، كما أدت رقصات الباليه بتمكن شديد يؤكد المراس والموهبة الكبيرة، وريم أحمد بدأت حياتها الفنية مع الفنان الكبير محمد صبحى كأصغر بناته فى «يوميات ونيس»، وهى الآن تؤكد دخولها مرحلة فنية جديدة متسلحة بإمكانات مختلفة من خبرة التمثيل ورشاقة الحركة، فضلا عن الحضور المسرحى المميز.. وتبقى سامية عاطف، التى أبهرت الحاضرين بأداء دور الفتاة الغجرية المحتالة بقدرات عالية على التنقل بين الكوميديا والجدية، وإظهار الشر والصرامة.. واختيار النص وفريق الممثلين يشهدان بحساسية وموهبة المخرج جلال عثمان، الذى قاد مجموعة العمل، واستطاع أن يقدم فرجة مسرحية جيدة على مسرح الغد، الذى ينتمى إليه، والذى تولى رئاسته لفترة طويلة، ليقدم فى قاعته الصغيرة تجربة مسرحية مناسبة من حيث عدد الممثلين القليل فقط ثلاثة نساء يمثلن ثلاثة أجيال مختلفة ومن حيث جاذبية العرض من ديكور بسيط معبر لدينا زهير، وأزياء مميزة لمايسة محمد، وإن كانت الإضاءة أضعف العناصر المسرحية وأقلها جودة.. و«عشق الهوانم» يؤكد ببساطة أن المرأة الطيبة المسالمة الأم أو الفتاة الصغيرة تستطيع فى وقت الشدة أن تصد جيوش الطامعين وتعيد لهذا الوطن «بيت الطيبين» أمنه واستقراره.