وصول سفينة غاز مسال إلى ميناء دمياط لتفريغ 75 ألف طن    المشاط تبحث مع هواوي مصر التوسع في الاستثمارات وتعزيز التحول الرقمي    عاجل| ارتفاع مفاجئ في معدلات البطالة بمصر... ما الأسباب؟    "لن تُقام".. وزير الدفاع الإسرائيلي يرفض إقامة دولة فلسطينية    قافلة زاد العزة ال73 تدخل إلى الفلسطينيين في قطاع غزة    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة شبيبة القبائل بدوري أبطال إفريقيا    لفتة إنسانية.. أمن القاهرة يستجيب لسيدة وينقلها إلى المستشفى لتلقى العلاج    ضبط أجنبية تعدت على طفلتها بالضرب وتركتها بالشارع في كفر الشيخ    خالد النبوي يهدي شكرا خاصا ل إيناس الدغيدي بسبب فيلم المهاجر    متحدث الصحة: الاستراتيجية الوطنية للصحة الرقمية تساهم في تقديم خدمات عالية الجودة    مستشفيات جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    تجدد الاشتباكات بين الجيش السودانى والدعم السريع فى بابنوسة    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يواصل تنظيم فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" في الإسكندرية    الصندوق السيادي السعودي يخفض استثماراته الأمريكية إلى 19.4 مليار دولار    حقه يكمل مشواره| شوبير يدافع عن حسام حسن قبل مباراة مصر وكاب فيردي    يسجل 59.96 جنيه، سعر الفرنك السويسري بالبنوك المصرية (تحديث لحظي)    إعتماد المخطط العام لأرض مشروع «عربية للتنمية والتطوير العمراني» بالشيخ زايد    الهلال الأحمر المصرى يقدم خدمات الدعم النفسى للمصابين بحادث طريق أسنا    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    اقتراح برلماني بتعديل اللائحة الداخلية لمجلس الشيوخ    وزيرة التضامن: 31.5% معدل التحاق الأطفال بالحضانات    برنامج بطب قصر العينى يجمع بين المستجدات الجراحية الحديثة والتطبيقات العملية    حالة الطقس في السعودية اليوم الأحد.. أمطار رعدية غزيرة وتحذيرات من السيول    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    البورصة تستهل تعاملات جلسة اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 بارتفاع جماعي    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    لإضافة بُعد روحي وتربوي، الجندي يوضح سبب وجود مصطفى حسني في لجنة تحكيم "دولة التلاوة"    الليلة على DMC .. ياسمينا العبد تكشف أسرار مشوارها الفني في صاحبة السعادة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    تقارير: زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    سؤال برلمانى بشأن ظاهرة العجز الصارخ فى المعلمين    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    وزير الخارجية يجري اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني    استقرار أسعار الذهب الأحد 16 نوفمبر.. وعيار 21 يسجل 5455 جنيهًا    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    كمال درويش يروي قصة مؤثرة عن محمد صبري قبل رحيله بساعات    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    محمود حسن تريزيجيه: الانضباط والاحترام أساس تكوين شخصية لاعب الأهلي    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التكلفة الباهظة للشائعات
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 07 - 2014

لم أندهش حين علمت أن شائعة زيادة أسعار البنزين - قبل إقرارها رسمياً بأيام - كلفت وزارة البترول 50 مليون جنيه، ثمناً لستة آلاف طن إضافية من البنزين، تم ضخها لمواجهة تكالب السيارات على محطات الوقود.. ولو لم يستبق المغرض قرار الحكومة بتلك الشائعة، لربما مهدّت لها بما يجنب خزانة الدولة وجيوب المواطنين هذه الكلفة الباهظة..
هذا هو ثمن الشائعات، ويضاعفه بالتأكيد إحجام أو إهمال أو عجز وسائل الإعلام عن بذل أى جهد فى التحقق من مصداقية ما يصلها من معلومات، واستساغة واستسهال بثها ثم نفيها إذا دعت الحاجة، لتحقيق الشهرة والانتشار فى الحالتين، بصرف النظر عن الضرر البالغ الذى قد يقع من جراء ذلك، وفى العالم أيضاً أمثلة كثيرة على هذه الجريمة الأخلاقية التى يرتكبها الإعلام كل يوم: شائعة نقل «ستيف چوبز» مؤسس ورئيس شركة «أبل» للمستشفى مصاباً بأزمة قلبية، قبل وفاته عام 2011 بسنوات، كلفت شركته 5 مليارات دولار خسارة فى البورصة خلال ساعة واحدة! والمدهش أن صانع الشائعة كان صبياً أمريكياً مازحاً لم يتجاوز الثامنة عشرة، بعث بها لبرنامج iReport على قناة «سى إن إن»، وهو برنامج يتخصص فيما يعرف ب «صحافة المواطن»، أى يستمد أخباره من المواطنين، ويتعامل معهم كصحفيين هواة، ومن الواضح أن معلومة الصبى لم تخضع للفحص أبداً قبل النشر..
فى مايو 2004 أسفر تقصير مشابه عن إقالة «بييرز مورجان» رئيس تحرير صحيفة «ديلى ميرور» البريطانية، حين نشر على غلافها صورة، ثبت لاحقاً أنها ملفقة، لجندى بريطانى يتبول على سجين عراقى تحت التعذيب، وأدى نشر هذه الصورة المستفزة إلى استهداف جنود بريطانيين فى البصرة بقنابل حارقة ألقاها عليهم أطفال غاضبون فى العراق، مما تسبب فى سقوط قتلى وجرحي، ولم يكن صناع الشائعة سوى جنديين بريطانيين يتقنان برامج المونتاج والخدع البصرية، أرادا التباهى بموهبتهما..
بعد ثلاثة أشهر من هذه الواقعة (أغسطس 2004)، بثت قناتا «العربية» و»الجزيرة» مقطع فيديو مدته 55 ثانية، يظهر شاباً أمريكياً مقطوع الرأس، مع عنوان على الشاشة نصه: «ذبح رهينة أمريكية فى العراق».. كان الفيديو مروعاً وصادماً، وتناقلته القنوات ووكالات الأنباء العالمية على الفور، وانشغلت بالتعليق عليه لساعات.. فى اليوم التالى تلقت نفس القناتين مقطعاً آخر للرهينة المذبوح، لكنه هذه المرة كان حياً، جالساً القرفصاء على الأرض، ومحاطاً بعلب البيرة، ويقول إن اسمه الحقيقى «بنجامين فاندرفورد»، وسنه 22 عاماً، معترفاً بأنه زيّف الفيديو الأول فى منزل صديقه بمدينة سان فرانسيسكو، كى يثبت سهولة تلفيق الفيديوهات لشغل الرأى العام بقضايا وهمية.. ولم يوجه أحد لوماً للشاب، بعد أن لقن الجميع درسا،ً نادراً ما نتذكره!
العامل المساعد الأبرز فى إنتاج وبث مثل هذه الشائعات المتقنة كما يتضح من المثالين الأخيرين، هو ظهور جيل جديد من أجهزة التصوير الرقمي، رخيصة الثمن، صغيرة الحجم، سهلة الاستخدام، عالية الجودة، لديها القدرة على الاتصال اللحظى بشبكة الإنترنت، التى يستخدمها حالياً أكثر من 40% من سكان منطقتنا، 88% منهم لا يتوقفون عن التدوين والتغريد والدردشة على شبكات التواصل الاجتماعي، وكثير من هؤلاء يواظب على استعراض قدراته فى استخدام تقنيات المونتاج المجانية، المتوافرة على معظم الحواسب والهواتف الذكية، ولا يبقى على المستخدم سوى أن يقرر هدفه والظرف الزمنى الأمثل لإنجازه، أو - فى حالات التشهير - أن يحدد خصمه، ونقاط ضعفه، لتكتمل لديه عناصر المخطط اللازم لإنتاج شائعة مدمرة..
أما حين تستهدف الشائعة قذفاً أو تشهيراً أو إهانة بحق شخص ما، حتى لو لم يكن معروفاً للعامة، هنا يتحول الأمر من مزحة أو مشاكسة إلى اغتيال معنوي، بل قد يتسبب فى اغتيال ماديّ، كما حدث مع الفتاة البريطانية «حنا سميث»، التى شنقت نفسها العام الماضى بسبب التشهير بها وإهانتها على الإنترنت، وكانت آنذاك رابع شخص يلجأ للانتحار فى بريطانيا لنفس الأسباب..
يا ترى كم تكلفت خزانة الدولة وجيوب المواطنين خلال الفترة الماضية بسبب الشائعات؟ وكم من شخص تعرض للتشهير والابتزاز الرخيص باستخدام معلومات أو صور أو فيديوهات بدت صادقة للوهلة الأولي، لكنها فى الواقع لم تكن إلا تزويراً متقناً، ولم نكلف أنفسنا والإعلاميين خصوصاً عناء التحقق من مصداقيتها؟
العبء الأكبر فى حصار هذه الظاهرة ووأدها فوراً يقع على الإعلام.. علينا أن نتعلم كيف نفحص كل معلومة قبل إعادة بثها، وأن ننقل هذه الخبرة للمجتمع، وبخاصة الناشئون، وعلى المؤسسات التشريعية ترجمة النصوص الدستورية التى تضمن حرية تداول المعلومات إلى قوانين قابلة للتطبيق، وتغليط عقوبة نشر الشائعات، وعقوبة القذف وتلويث السمعة (التى لا تتجاوز سنتين فقط فى قانون العقوبات)..
الفرق كبير بين حرية التعبير وحرية التشهير، وكلمة واحدة قد تهدم وطناً، أو تقتل إنساناً..
لمزيد من مقالات د.محمد سعيد محفوظ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.