تصريحات صحفية أطلقها وزراء الحكومات المتعاقبة منذ قيام ثورة يناير حول تطبيق ما يعرف ب «الحد الاقصى للاجور» بهدف تحقيق «العدالة الاجتماعية»، الا أن المتابع لتلك التصريحات سيلحظ تضاربا واضحا في المعلومات المنشورة حول موعد تنفيذ القرار وآلياته وحجم البيانات التي تم تجميعها وما تم استثناؤه ، فيحتار المواطن ما بين وعود من «التنمية الادارية - سابقا « ببدء التنفيذ منذ أول العام الحالى، ثم يفاجأ بتصريحات لوزير المالية تطعن في «دستورية القرار « من الأصل وتطالب بإعادة مراجعته !
وفى السياق، ذاته يطل علينا مصدر فى الجهاز المركزى للتنظيم والادارة ليعلمنا بأن قيادات كبيرة فى مؤسسات عديدة رفضت إرسال «حصر كبار موظفى الدولة» لرفضها القرار، معللا ذلك بأن بعض القيادات والمسئولين والمستشارين فى بعض دواوين الوزارات يتقاضون شهريا رواتب تصل إلى 4 أضعاف الحد الأقصى و المحدد ب 42 ألف جنيه، وفى الجهاز المركزى للمحاسبات، والذى انتهى من اعداد تقرير حول تطبيق الحد الأقصى للأجور بمختلف المؤسسات والهيئات والوزارات التابعة للدولة لعرضها على رئاسة الجمهورية بناء على طلبها- فقد كشف مصدر مطلع عن ان عددا من الهيئات والوزارات امتنعت عن تقديم الاحصائيات والبيانات والكشوف بشأن أجور العاملين بها، من بينها وزارة الداخلية والنيابة العامة و عدد من البنوك الكبري.
«الحد الأقصى» منذ ثورة يناير فى حكومة الدكتور عصام شرف صدر مرسوم بقانون رقم 242 لسنة 2011 لتحديد الحد الاقصى للدخول وربطه بالحد الادني، وبعد تولى الدكتور كمال الجنزورى رئاسة الوزراء فى ديسمبر 2011 اصدر قرارا بتطبيق مرسوم القانون، على أن يبدأ التنفيذ من يناير 2012، وينص المرسوم على الا يزيد مجموع الدخل الذى يتقاضاه أى شخص من الخاضعين لأحكام قانون العاملين المدنيين بالدولة ، على خمسة وثلاثين مثل الحد الأدنى لمجموع أقل دخل فى الجهة التى يعمل بها، وينطبق على كل ما يتقاضاه سواء كان فى شكل راتب أو مكافأة أو حافز أو أجر إضافى أو بدل أو مقابل حضور جلسات مجلس إدارة أو لجان، وسواء فى جهة عمله أو أى جهة أخري، على أن تؤول إلى الخزانة العامة المبالغ التى تزيد على الحد الأقصي، وإلزام من تقاضاها بردها إلى جهة عمله قبل مضى ثلاثين يومًا من انتهاء السنة المالية، مع فرض غرامة على الممتنع. وفى أثناء حكم الاخوان، أصدر وزير المالية الأسبق المرسى حجازى منشورا عاما برقم 1 لسنة 2013 يطالب من يتعدى دخله 35 ضعف الحد الأدنى للدخل بنفس الجهة بتقديم إقرار عن كامل دخله، مع سداد أى مبالغ تزيد على الحد الأقصي، وذلك فى موعد أقصاه 30 مايو من كل عام. وفى سبتمبر 2013، خاطبت وزارة المالية جميع الجهات الحكومية لاتخاذ إجراءات تطبيق الحد الأقصى لدخول العاملين بكل جهة على حدة، وربطه بالحد الأدني، بأثر رجعى من أول يوليو 2013، و فى نوفمبر من نفس العام، أصدر الدكتور حازم الببلاوى –رئيس الوزراء السابق - قرارا بتحديد الحد الأقصى للدخل فى الجهاز الإدارى للدولة ب35 مثل الحد الأدني, وبحيث لا يتجاوز42 ألف جنيه، وإتخاذ الإجراءات القانونية لتطبيق ذلك إبتداء من أول يناير2014 ، وتكليف وزيرى المالية والتنمية الادارية بتحديد الاليات اللازمة لتنفيذ ذلك ، وأخيرا فى حكومة المهندس ابراهيم محلب، تم اصدار قرار بتطبيق الحد الأقصى للأجور ليشمل جميع ما يتقاضاه الموظف العام من بدلات حضور وانتقال وخلافه، والزام مراقبى حسابات المالية والجهاز المركزى للمحاسبات بتنفيذ هذا القرار، وعليهم وعلى كل الاجهزة الرقابية الاخرى الابلاغ عن أية مخالفة، والزام من صرفت اليه المبالغ الزائدة بردها فورا، وكان من المفترض ان العمل بالقرار بدأ منذ 26 مارس الماضي. الحساب سنوى سألنا جيهان عبد الرحمن -القائم بأعمال رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة- سؤالا مباشرا: هل تم حصر كل من يتعدى دخله 42 ألف جنيه شهريا فى الحكومة؟! فأجابت بحسم قائلة :» لن يتم معرفة من يحصل على اكثر من الحد الاقصى للاجور الا فى 31 ديسمبر 2014 ، وذلك عندما يقدم كل موظف فى الدولة اقرارا بالذمة المالية بالجهة التى يعمل بها ، فنعرف حينها كل ما تحصل عليه خلال عام 2014، وما يزيد يلتزم برده الى الدولة، وهى نفس المعلومة التى أخبرنا بها احمد سمير -مستشار وزير التنمية الادارية سابقا- وهى ان تطبيق الحد الاقصى للأجور دخل بالفعل حيز التنفيذ منذ أول يناير الماضي، والحساب يتم بشكل سنوى. احد مراقبى الجهاز المركزى للمحاسبات كشف لنا عن انهم غالبا ما يركزون على الموظفين الحكوميين فى الدرجات الوظيفية العليا كمديرى العموم ورؤوساء الهيئات ومن هم على درجة وكيل وزارة، وقال : إن الموظف الحكومى غالبا لا يتعدى الحد الأقصى للدخل إلا إذا كان يتحصل على بدلات ومكافآت من أكثر من جهة ، فقد يكون موظفا فى وزارة ومستشارا فى جهة حكومية أخرى، وهنا تكمن المشكلة. ولهذا يطالب عضو الجهاز بأن يتم ربط دخول موظفى الحكومة بوزارة المالية من خلال نظام الكتروني، فيكون لكل موظف رقم وظيفي، بحيث يدرج أمامه كل ما يحصل عليه من اى جهة حكومية، ويظهر ذلك فى صفحته بشكل آلى، أما أن يتم الحصر بشكل يدوى، فحينها يمكن القول ان تطبيق الحد الاقصى للاجور سيكون قرارا على الورق، وبالمناسبة النظام الآلى مطبق فى عدد من الدول العربية.
البرنامج جاهز ويبشرنا الدكتورصلاح جودة - المستشار الاقتصادى لمفوضية العلاقات الاوروبية- بأنه قام بالفعل بتصميم برنامج الكترونى يمكن من خلاله مراقبة دخول موظفى الحكومة.. بدءا من اعلى رأس فى السلطة التنفيذية وحتى أصغر عامل خدمات ، ويوفر هذا البرنامج ما لايقل عن 4 مليارات جنيه من بند الاجور والمرتبات والمكافآت وغيرها خاصة فى الأبواب الأول والثانى والثالث، مشيرا الى أنه خاطب الجهات المعنية للاستعانة بالبرنامج، ولكنه لم يتلق أى رد. ويوضح أن البرنامج المقترح يتم تزويده بمجموعة من المدخلات وهي: الاسم الرباعى فى بطاقة الرقم القومى ،تاريخ الميلاد، العنوان ، والعمل وفقاً للرقم القومى ، العمل الحالى وطبيعته، الدرجة الوظيفية ، والجهة التى يتم العمل بها، والجهات الأخرى التى يكون لديه بها ( انتداب ) أو (إعارة) أو (عمل تكميلي) وخلافه من المسميات ، والراتب الاساسى، والبدلات ، والعمولات والحوافز ،وإجمالى ما يتقاضاه من كل جهة على مستوى الدولة وبذلك يكون لدينا بيانات عما يتقاضاه الموظف بالكامل ، فى المقابل يكون لدينا مخرجات هى الاعفاءات الضريبية وفقاً للقانون (91 لسنة 2005) وتعديلاته ، التأمينات الاجتماعية وضريبة كسب العمل (يتم تسديدهما للجهة)، و ما يزيد عن الحد الاقصى (42 ألف جنيه) يتم تحويله الى الخزانه العامة أولاً بأول ، ويختم جودة حديثه بأن تطبيق الحد الاقصى للاجور لم ولن يتم الا اذا تمت الاستعانة بالنظام الآلي. لكن الخبير الاقتصادى الدكتورصلاح جودة يشدد بالاساس على ضرورة عدم استثناء أى هيئة أو قطاع وهو الحادث حاليا حيث تم استثناء البنوك وشركات التأمين وشركات القطاع العام وقطاع الاعمال والهيئات الاقتصادية ، وبالتالى يكون عدد الموظفين الحكوميين ممن ينطبق عليه القرار 8016 موظفا فقط لاغير من أصل اكثر من 6 ملايين موظف بالجهاز الادارى للدولة، ويكفى أن نعلم أن 20 ألف موظف فى الدولة يحصلون على 40 % من قيمة موازنة الدولة للأجور بما يعادل حوالى 220 ألف جنيه شهريا ً. ويعلق جودة متسائلا: كيف أنتظر حتى آخر العام لكى يقدم لى الموظف الحكومى اقرارا بالذمة المالية والذى قد يقدمه قبل انتهاء السنة المالية بثلاثة اشهر اى حتى يوم 31 مارس 2015؟