إذا كان رمضان قد أصبح مع انتشار التليفزيون هو شهر الدراما بامتياز، فإنه يمكننا أيضا القول بأن هذا الشهر على قدر ما يحمله من زخم روحانى، أصبح موسما سنويا لكتابة التاريخ، فى ظل تنامى دور الدراما، وأهميتها كمنتج إعلامى يعنى برصد الأحداث، ومن ثم أصبحت الدراما كمعادل بصري، وثيقة تاريخية ومستنداً بصرياً للتاريخ. ولعل هذا النمو المطرد لدور الدراما فى حياتنا المعاصرة، قد جاء بعد أن أصبحت الفضائيات العربية حالة خاصة وفريدة فى تطور مسيرة الإعلام العربى، منذ عرف العرب الصحافة فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، حتى إنه يمكن القول براحة تامة، إن مجمل التطورات التى أحدثها ظهور الفضائيات العربية فى الشارع العربى، وفى وسائل الإعلام التقليدية منذ أوائل العقد الأخير من القرن الماضى يعادل مجمل التطورات التى شهدها الإعلام العربى منذ ظهوره. ولقد بات لمفهوم الدراما دور محورى فى حياتنا المعاصرة وسياقاتها الثقافية المجتمعية، حيث يعتبرها أغلب علماء علم الاجتماع المعرفى «ظاهرة من ظواهر التاريخ الأدبي، ووثيقة من وثائق التاريخ الإنساني». يقول أرسطو فى كتاب الشعر: «إن التاريخ يكتب الأحداث كما وقعت، ولكن الدراما تكتب الأحداث كما كان ينبغى أن تقع»، ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف البحث فى العلاقة بين التاريخ والدراما، حتى أصبح المؤرخون وكتاب الدراما،لا يرون فروقا تذكر بينهما الآن. ومع تجسد الأحداث اليومية التى تشكل النواة الأساسية للتاريخ الإنسانى ، أصبح السرد التليفزيونى هو البديل المثالى لتسجيل حركة التاريخ القادمة من رحم تلك الأحداث، جراء تطور صناعة الفعل الدرامى. صحيح أن المشاعر الدينية التى يستثيرها شهر الصيام تدفع الناس صوب المسلسل التاريخى الذى تسكنه الجذور، ويردد صدى الأجداد ويحفظ ملامح الهوية التى تعرضت للكثير من المؤثرات الخارجية، لكن يبقى للأحداث المعاصرة صدى أكبر ومذاقا مختلفا من خلال المسلسلات الاجتماعية والكوميديا وغيرها، والتى سنلحظ تطور صناعتها على مستوى الشكل والمضمون، كما سوف نشاهده على مدار 29 يوما من أيام رمضان الحالي.