حبلى بالفستق والبندق وعين الجمل.. تسبح فى أنهار السمن والعسل.. ما إن يفوح بخار صينية "الكنافة" المعطر بماء الورد حتى يلتف حولها أفراد الأسرة.. يتأملون وجهها القرمزى بنظرات شوق الصائم، والذى - ربما- ينافس شوق عنتر إلى عبلة.. وقيس إلى ليلى. فى انتظار مدفع الافطار، تتوسط "الكنافة" المائدة العامرة بالخيرات. بمجرد أن تنتهى سيمفونية رنين الملاعق فى الصحون، يبدأ الهجوم على الهدف تكتيكيا واستراتيجيا.. حتى القضاء عليه بغير اصابات. بدأت الكنافة - وأصلها فاطمى- طعاماً للخلفاء والأمراء، ثم انتشرت بعد ذلك على موائد البسطاء. من المعلوم أن كلمة "كنافة" هى اسم عربى أصيل وتعنى: الظل، والصون، والحفظ، والحضن، والحرز، والرحمة.. فى كنف الله: تعنى حرزه ورحمته. ونظرا لأننا شعب عاطفى فإننا نأخذها فى كنفنا، داعين الله ألا يحرمنا من اطلالتها بشتى الطرق، وهى ثلاث: "كنافة شعر"؛ وذلك لخيوط الكنافة الرفيعة تمامًا مثل الشعر، وهى الأشهر لربات البيوت. و"كنافة يدوي" وهى التى تعتمد على الطريقة التقليدية من خلال الوعاء ذى الثقوب، ويطلق عليها "كنافة بلدي". وأخيرا "كنافة ماكينة" حيث تستخدم فيه الآلة.غير أن المصريين - خاصة كبار السن والصعايدة والفلاحين- اعتادوا شراء "الكنافة البلدي" فى رمضان كجزء من المظاهر الأساسية لهذا الشهر الكريم. وبصدد الحديث عن مهرجان الكنافة بألوانه، تحضرنى كلمات الكاتب الكبير أحمد بهجت حين قال: "شهر رمضان عند المسلمين الأولين كان شهرا نزل فيه القرآن، وكان شهرا يتخفف فيه البدن من البدن. وتلتقى فيه الرحمة بالإخلاص بالجوع بالحب".. فلنحتف بخير الشهور ونأكل الحلوى دون أن نغفل سقاية الأرواح بالعبادة وأخلاق الإسلام.