مازالت قضية الإنتاج السينمائى فى مصر هى الهاجس الأكبر لدى العاملين بهذه الصناعة وأهم القضايا التى تهم كل العاملين فى الحقل السينمائي. فى محاوله جادة للسعى نحو تحقيق نهضة سينمائى ، تليق بتاريخ مصر «هوليوود الشرق»، يحاول الناقد السينمائى ياقوت الديب من خلال كتابة الجديد »الإنتاج السينمائى المصرى إتجاهات وظواهر: من ثورة يوليو حتى ثورة يناير« أن يصل لأعماق أزمه الإنتاج ومناقشتها من خلال رصد الواقع السينمائى قديمه وحديثه. ويؤكد أن الدراسات الجادة التى تناولت موضوع «الإنتاج السينمائى فى مصر»، قد شابها بعض من قصور التقييم وعدم وضوح الرؤية. وقد جاءت بعض الدراسات التى اهتمت بمتابعة الإنتاج السينمائى من حيث الكم وفقا للمنهج الكرونولوجي، فى معرض الحديث عن تاريخ السينما المصرية، راصدة جهات الإنتاج المختلفة المتمثلة فى القطاع العام (أى الإنتاج الذى قامت به الدولة)، أو القطاع الخاص سواء كان شركات أو أفراداً فى حين لم تهتم الدراسات بالجانب الفكرى للعملية الإنتاجية. ويؤكد الكاتب ياقوت الديب أن هذا الجانب من الدراسة الواجبة يشكل حجر الزاوية نحو انطلاق حركة الإنتاج السينمائى فى مصر، على اعتبار أن السينما تمثل إحدى الوسائل المهمة التى تشكل وجدان الشعب، وتعبر عن همومه ومشكلاته، إلى جانب الدور الترفيهى والتثقيفى الذى تقوم به، وبشكل خاص فى مجتمعات الدول النامية ومنها بالطبع مصر. ومن خلال الدراسة، اوضح الناقد أن السينما المصرية عكست صورة الواقع الاجتماعى والسياسى المصرى وتناولت بطريقة رصينة وجادة قضاياه الحيوية المتمثلة فى عده قضايا منها الفقر ومشكلات المهمشين فى المجتمع ومشكلات المرأة والشباب والمخدرات وقضايا الشرف والإنجاب ومشكلات الأسرة وقضايا الإقطاع وفساد القطاع العام. وهكذا نرى أن السينما المصرية قد تناولت العديد من قضايا المجتمع المصرى الاجتماعية، كما عالجت السينما المصرية أيضا الكثير من القضايا السياسية التى شهدها المجتمع على طول تاريخه المعاصر منذ فترة ماقبل ثورة يوليو عام 1952 حتى ثورة يناير 2011، مثل قضايا الاستعمار والتعبير عن الرأى وحرية الإبداع، مراكز القوي، الجاسوسية والتخابر مع الجهات الأجنبية، النقابات العمالية والمهنية، ممارسة الحقوق السياسية ، وقضية حق المواطنة وحرية العقيدة. وفيما يتعلق بالظواهر السينمائية التى واكبت الحقب التاريخية الثلاث (حقبة عبد الناصر، السادات، حسنى مبارك)، نجد هناك بعضا من الظواهر التى تستدعى الوقوف أمامها طويلا، حيث إنها جاءت بمثابة الابن الشرعى للمناخ السياسى السائد، وانعكاسا لمدى نظرة السلطة الحاكمة للسينما ودورها فى المجتمع، كما أنها تعكس الذوق العام السائد لدى الجمهور، وكذلك تعكس الوضع المادى لجهات الإنتاج السينمائي، والأهم من هذا وذاك متطلبات السوقين: الداخلية والخارجية. وأوضح الكاتب أن أسباب اختيار موضوع الكتاب تعود، من وجهة نظره، إلى مناقشة قضية تقييم الإنتاج السينمائي: كما وكيفا، فى محاولة للكشف عن مدى ارتباط السينما بالنظام الحاكم، ومدى تأثير هذه العلاقة الجدلية بينهما على المستوى الفكرى الذى تعكسه الأفلام الروائية الطويلة، التى تم إنتاجها فى كل حقبة من الحقب الثلاث، وبيان إلى أى مدى استطاعت السينما التعبير عن قضايا المجتمع والشعب فى ظل القيود وأنظمة الرقابة على الإبداع السينمائى بشكل خاص. ويرى الكاتب أن أهمية هذه الدراسةتعود لعدة أسباب منها محاولةعمل تصنيف للأفلام الروائية الطويلة التى أنتجت خلال الفترة الزمنية المشار إليها وكذلك الوقوف على كم الإنتاج السينمائى من الأفلام الروائية الطويلة خلال الحقب الثلاث كل حقبة على حدة، وإعداد كشوف إحصائية منقحة بالأفلام الروائية الطويلة التى تم إنتاجها منذ عام 1952 حتى عام 2011، تستند إلى الإحصاءات الموثقة ولتعد مرجعا علميا موثوقا به. وفى النهاية يقول الكاتب أنه لا يدعى قيامه بمشاهدة كل الأفلام المذكورة بالكتاب، بل اكتفى بالاطلاع على موضوعاتها والقضايا المثارة فيها (اجتماعية أو سياسية) ومتابعة الكتابات الصحفية والنقدية حولها، لاستخلاص اتجاهاتها الفكرية والفنية، يضاف إلى هذا أن جوهر هذه الدراسة لايتطلب مشاهدة هذا الكم الهائل من الأفلام لاستحالة تحقيق ذلك واقعيا، وثانيا فإن موضوع البحث يتركز حول الجانب الفكرى والفنى للأفلام ، بعيدا عن التناول النقدى والتحليل الفنى المسهب لكل فيلم على حدة، باعتبارها أعمالا إبداعية لها جمالياتها وعناصرها الفنية المختلفة، وهى قضية قد تتناولها دراسات أخري.