كنت من هؤلاء الذين بلعوا «الطعم» عقب انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، فالرجل جاء بعد أحد أبشع فصول التاريخ العدوانى الأمريكي، والذى بلغ ذرى جديدة إبان غزو العراق، وما تلاه من ممارسات عنوانها العريض هو :تمزيق هذا القطر الشقيق ب «دستور» يقسم بلاد الرافدين إلى ثلاث دويلات، سنية وشيعية وكردية، وتغليف هذه النية الخبيثة بشعار كاذب، هو المحاصصة، أى توزيع ثروة العراق «توزيعا عادلا» بين ابنائه. وقلت فى حينه إن واشنطن قد حددت الخطوة التالية للغزو وتحقيق الهدف منه «دستوريا» وحيث كانت مرارة امتهان وانتهاك آدمية العراقيين فى سجن أبوغريب الرهيب، لا تزال فى حلوقنا، فقد كان يصعب أن نقبل من الرئيس الأمريكي، بوش الابن، أى تشدق بالديمقراطية أو حقوق الإنسان أو القيم والمبادئ الاخلاقية، التى ظلت الولاياتالمتحدة تبيعها للعالم وتروج لاكذوبة أنها الحارس الأمين عليها. أرادت واشنطن إذن محو ما يمكن محوه من هذه الصورة الكريهة بتغيير الواجهة، فكان أوباما رجلا يشبه الأغلبية الساحقة من أبناء الدول التى أذاقتها أمريكا الأمرين، من ذوى البشرة السمراء إضافة إلى وجود اسم «حسين» فى تسلسله العائلي، لأنه اسم أبيه الكينى المسلم. وكان لهذه العوامل تأثير بالغ فى نفوس العرب والمسلمين الذين لم تدخر الولاياتالمتحدة منذ ورثت دور الامبراطورية البريطانية العجوز، جهدا لتمزيق أوصال أوطانهم، إلا وطبقته بكل وحشية وفجاجة، وكأنها تتحرك بكامل حريتها فى ملعب لا ينافسها فيه أى لاعب آخر، لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى السابق، الذى ساهمنا كعرب ومسلمين فى تحقيقه، واحتفلنا بسقوط الدولة «الكافرة» التى وقفت إلى جوار قضايانا فى احلك الظروف، وانتصار أمريكا «المؤمنة». وما تلا ذلك بعد ركون واشنطن إلى انفرادها بالهيمنة على القرار فى العالم، ومن ثم التصرف بغطرسة ورعونة وفى رأيى بقصر نظر لم يسبق له مثيل من قبل دولة توهمت أن بمقدورها تغيير منطقتنا وفق المشروع الاستعمارى القديم والذى بدأت ملامحه فى وعد بلفور دون وازع أو رادع خاصة بعدما ألبسته قناع «الشرق الأوسط الجديد» وتفتق ذهن واضعى السياسة الأمريكية، عن فكرة وضع وجه جديد فى البيت الأبيض، بوسعه بالصورة المختلفة جذريا عن تلك الصورة المكروهة التى لم تفلح كل المساحيق فى اخفاء بشاعتها تنفيذ الفصل الأفدح من المشروع الأمريكى فكان الرئيس الحالى باراك حسين أوباما.. فهو أول رئيس يشرع فى تفتيت الوطن العربى بواسطة تيارات الإسلام السياسى التى تعدها القوى المعادية لمصر والوطن العربى منذ أكثر من قرن من الزمان. وهو ما نشاهده فى ليبيا وسوريا واليمن وما كانت تتأهب لتنفيذه فى مصر.. وهو أول رئيس أمريكى يعلن بصفاقة غريبة وفى الكنيسيت الإسرائيلى أن القدس الموحدة هى العاصمة الابدية للدولة اليهودية فهو حتى لم يقل العاصمة الابدية لإسرائيل بل ذهب فى تكريس الطائفية التى تتناقض تماما مع الديمقراطية إلى أبعد مدى بالتركيز على يهودية الدولة. كما أنه اعتبر قرارات مجلس الأمن الدولى الصادرة بشأن القدسالشرقيةالمحتلة وكأنها لم تكن ليس لها أى مسوغ قانوني. ناهيك عن ازدراء مبدأ وجوب احترام القرارات الدولية التى ارتكبت بلاده باسمها افظع الانتهاكات بحق أكثر من دولة، والأكيد أن أوباما قد اتقن خداع الجماهير الطيبة بملامحه القريبة منها وبدهائه فى تحيتها بتحية الإسلام فى زيارته إلى جامعة القاهرة فى مطلع ولايته الأولي.. فكم قدرنا التفاتته هذه، وكم فرحنا بسماع رئيس أمريكى يلقى علينا التحية ب «السلام عليكم» لكن أوباما مضى بضراوة فى مخطط التمزيق وانتهاك الحق العربى عموما والفلسطينى خصوصا. غير أن المنطق يقول إنك تستطيع خداع الناس بعض الوقت لكن ليس كل الوقت ولاشك أن ثورة الثلاثين من يونيو نزعت القناع عن المؤامرة الأمريكية وادواتها فى الخارج والداخل، وأن أوباما سوف يتخبط فى سياسة بلاده المعادية لمصر اساسا التى تصورت أنها قد اجلست إسرائيل أو الدولة اليهودية على عرش المنطقة فأخذ يهدد بالتصعيد والتدخل العسكرى تارة فى سوريا وتارة فى العراق ولم لا فى ليبيا لكن المؤامرة اتضحت بجلاء لا يقبل شكا أو تشكيكا وسينتهى هذا الفصل المؤلم وقد خرجنا أكثر وعيا بمغزى المثل القائل.. ليس كل ما يبرق ذهبا. لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى