لم تكن المرة الاولى التى يتربص بها انصار جماعة الإخوان وتحالفها برموز حزب النور وأعضائه حتى قبل أن يصطف الحزب مع الجماعة الوطنية التى توافقت على أن الإرادة الشعبية التى تمثلت فى الثلاثين من يونيو هى محور الحركة لمختلف القوى السياسية والوطنية، فحينما اتجهت الإرادة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية السابقة (2012) بتأييد مرشح الجماعة الدكتور محمد مرسى، وكان حزب النور من الداعمين للمرشح الرئاسى آنذاك عبد المنعم ابو الفتوح، التزم حزب النور وأعضاؤه بما أفرزته الإرادة الشعبية، وبدأ الحزب فى التعاون مع الرئيس المنتخب. وعلى المنوال ذاته، حينما خرجت الإرادة الشعبية على الرئيس السابق حينما انحرف بسلطته عن المسار الدستورى والقانونى المرسوم له، ما كان من حزب النور إلا أن التزم بما طالبت به الإرادة الشعبية، فوقف مساندا للإرادة الشعبية وداعما لها ومتحالفا مع القوى السياسية والوطنية كافة التى نزلت فى الثلاثين من يونيو. أردت بهذه المقدمة السريعة أن أوضح لجماعة الإخوان وعناصرها أن موقفها من حزب النور وقياداته يقوم على الفهم الخاطئ، ذلك الفهم الذى يشمل نظرة الجماعة إلى كل فئات المجتمع وقواه التى رفضت نهجهم فى الحكم، وهو النهج الذى يجمع بين الاستحواذ والإقصاء حينما تكون فى الحكم، وبين العنف والإرهاب والاعتداء ليس فقط على المخالفين معها بل على المواطنين الآمنين حينما تكون خارجه، فضلا عن الاعتداء على المؤسسات العامة والخاصة الى الحد الذى وصل فيه الاعتداء على بيوت الله فى الأرض وهى المساجد، وهو ما يؤكد لكل من يؤيد أو يتعاطف مع الجماعة أنها بالفعل فقدت عقلها ورشدها ولم تعد تعى نهاية النفق المظلم الذى تسير فيه. فما جرى خلال الجمعة الماضية (13 يونيو) فى مسجد غافر بمنطقة العمرانية بالجيزة من قيام عدد من شباب الجماعة ومؤيديها بالاعتداء على فضيلة الشيخ الدكتور ياسر برهامى بسبب وجود لحضور عقد قران احد الشباب فى المسجد، يثير تساؤلات مهمة حول مدى الفهم الصحيح لدى جماعة الإخوان وحلفائها لأحكام الدين الاسلامى ومبادئه، فما هو حكم الدين فى الاعتداء على المسجد وزواره؟ وأين فقهاء الجماعة وعلماؤها من تكرار مثل هذه الحوادث؟ هل يقر منهج الجماعة ونهجهم هذا العمل ويعتبره عملا شرعيًا؟ وحتى تجيب الجماعة وفقهاؤها على هذه الاسئلة، أود أن أضع بين أيديهم ملاحظتين مهمتين قد تساعدهم فى تصحيح فهمهم وتقوّم الاعوجاج فى فكرهم، وهما: أولاً- إن تعظيم الله - عز وجل - يكون بتبجيله وإجلاله، وأيضًا بتعظيم حرماته، ومن تعظيم حرماته، تعظيم المقدسات والشعائر الدينية ومنها بيوته، ومعرفة مكانتها، والسعي في عمارتها، وإقامة شرعه فيها، والمحافظة على الصلاة فيها، والتحذير من انتهاك حرماتها، أو التعدي على إقامة ذكر الله فيها، ونشر نور الهداية من على منابرها، ومن أبرز وأهم صور هذا التعظيم أيضا هو عدم إحداث أى فوضى داخل المسجد، فعن عبد الله بن مسعود: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:»لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ» (رواه مسلم). وعليه، فلا يجوز رفع الأصوات داخل المسجد أو الاعتداء على أئمتها؛ فإذا كانت أحكام الشريعة تجرم الكلام في أثناء إلقاء خطبة الجمعة، بل قال العلماء إن الكلام ممنوع حتى لو كان أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر، فإن الاعتداء على المصلين وإرهابهم بأى صورة من صور الاعتداء أمر مرفوض شرعًا وقانونا. بل على العكس كان يجب على الجميع وفى مقدمتهم جماعة الإخوان أن يفهموا أن الوقت الراهن الذى يموج بالفتن والتيارات الفكرية العديدة والمتنوعة، ما أحوجنا فيه إلى التعاون والتكاتف والاجتماع والألفة، ونبذ الخلاف والفرقة، ويمكن أن توظف خطبة الجمعة في المساجد لهذا الغرض، بدلا من أن تكون الخطبة خطوة تزيد من الصراعات والخلافات بين ابناء المجتمع المصرى. فهل تستوعب الجماعة وعلماؤها حكمة وجود صلاة جامعة كل أسبوع؟ وهل استوعبت أيضًا الحكمة من جعل المساجد منزهة عن أن يصرخ فيها أحد ليعترض على خطيب الجمعة؟ ثانيًا- ممارسة السياسة لا تعنى اللجوء الى العنف والإرهاب والاعتداء والقتل والتخريب وحرق المؤسسات وحصار المساجد وترويع المصلين، بل تُرتكب كل هذه الممارسات فى حالة ما نطلق عليه «موت السياسة»، بمعنى أنه إذا غابت السياسة التى تعنى الحوار والنقاش والمشاركة الفعالة سواء فى الحكم أو المعارضة شريطة الالتزام بالقواعد الناظمة لهذه الممارسات سواء أكانت قواعد قانونية مكتوبة كما هو الحال فى الدستور والتشريعات، أو قواعد قانونية غير مكتوبة حظيت بالتوافق والرضا المجتمعى، فهل تعتبر جماعة الإخوان وأنصارها أن الاعتداء على المساجد من الأمور المشروعة قانونًا والمقبولة عرفا؟ هل يسمح منهج الجماعة ومن يؤيدها بالاعتداء على العلماء والحط من قدرهم ومكانتهم؟ نهاية القول إن جماعة الإخوان ومؤيديها وأنصارها ما زالت لديهم أفهام كثيرة مغلوطة تحتاج الى تصويب وتصحيح قبل فوات الآوان. فرغم كل ما ارتكبته هذه الجماعة فى حق المجتمع المصرى ليس فقط فى مرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو وإنما من قبله فى كثير من القضايا التى ما زالت حاضرة فى الذاكرة الشعبية، إلا أن الدولة والمجتمع لا يزال لديهما رؤية فى وجود مساحة للعودة إلى الصف الوطنى والاصطفاف خلف ما اختارته الإرادة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2014)، شريطة أن تكون العودة لمن لم يرتكب عنفا أو إرهابا أو أسال دماء. لمزيد من مقالات عماد المهدى