بعد إجابة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى على سؤال لرويترز عن دعوة وزير الخارجية الإيرانى لزيارة الرياض، وأنها قدمت منذ زمن، اضطربت الدبلوماسية الايرانية من سخونة المفاجأة التى لم تتوقعها، وأنكر مسئولوها أن يكون هناك خطاب رسمى يتضمن هذه الدعوة وصلهم من الرياض، وعادوا ورحبوا بالدعوة المعلنة بعد تجاهلها قبل أن تعلن ردحا من الزمن. ولهذا تفسير غير متفائل لأى مفاوضات تجرى من قبل أى طرف دولى مع ايران . الحقيقة أن إيران لا تريد مثل هذه الدعوة، لأنها فى أوج تصعيدها الطائفى فى المنطقة، وهى تدرك أن هذا ليس فى صالحها، لكنها تراهن على قدرة تحمل الضرر الناتج عن هذا التصعيد، ولن يكون هناك أمر تستطيع تحمله لو انفجرت الحرب الطائفية فى المنطقة، فهى حتما خاسرة بالعدد والعدة. ومثل هذه الدعوات فى ظل الظروف السياسية الراهنة بين الرياضوطهران، يكتفى بها بروتوكوليا بإعلانها، وليست كما هى الحال عليها فى الظروف السياسية العادية، فقد سبق للأمير الفيصل العام الماضى أن قال إن سوريا بلد عربى محتل، ولا أظن أنه يقصد بلدا غير إيران فهى التى لها وجود عسكرى على الأراضى السورية دعما لنظام بشار ضد شعبه، وهى التى ترعى الميليشيات المسلحة شيعية وسنية فى سوريا. ايران تسعى لإذكاء نار الطائفية فى لبنان لإخافة أبناء الطائفة الشيعية، واستغلال إحساسهم أنهم أقلية لتفرض توجهها القومى عليهم وتجعلهم ينخرطون فى مخططها دون شعور منهم، فقد قال كونفوشيوس «ان أولئك الذين يطالبون بالعدالة هم لا يطلبون العدالة وإنما الرفعة لأنفسهم». وهو تفسير لمطالبات الأقليات فى أى أكثرية للفت الأنظار اليها على طريقة «نحن هنا»، وليس انكارا منى لحقوق الأقليات فى المجتمعات العربية ، لكن رفضا لاستغلال ايران للأقلية الشيعية العربية . تفاءل بعض المبالغين بحلول سحرية بعد وصول روحانى للحكم، وأعتقد أنهم يجهلون كيف تتخذ القرارات فى طهران، فلا أحد يستطيع اتخاذ أى قرار إلا بموافقة المرشد الذى هو كل إيران فى نظام الملالي. وتسعى طهران منذ منتصف التسعينيات لتأسيس برنامج نووى عسكرى تنفق عليه ما يفوق 25 مليون دولار يوميا، ولك أن تحسب التكلفة عزيزى القارئ منذ تلك الفترة الى يومنا هذا ومقارنة حجم التكلفة المهول بالأوضاع الاقتصادية المتردية للمواطن الإيراني. عانت المنطقة العربية برمتها من تدخلات ايران السافرة فى شئونها الداخلية منذ وصول الملالى للحكم فى طهران وكان استهدافها واضحا للسعودية بداية من العام 1987 فى مواجهات مسلحة قامت بها مجموعة من الحجاج الإيرانيين ضد الأمن السعودى فى مكةالمكرمة، وتلاها بعد عام قيام مرتزقة مدفوعين من عناصر ايرانية بقتل السكرتير الأول فى السفارة السعودية فى أنقرة، وما جرى بعدها من اغتيالات دبلوماسيين سعوديين كانت كل أصابع الاتهام تشير الى طهران، ومن احتلالها الجزر الاماراتية الثلاث، الى دعمها عناصر تابعة لسياستها فى البحرين والمنطقة الشرقية فى السعودية، الى دعم الحوثيين وتقويتهم كشوكة فى الخاصرة السعودية جنوبا، الى وجودها العسكرى والمذهبى فى السودان، الى التدخل لدعم ميليشيات القاعدة والتنظيم الإخوانى الدولى فى سيناء وغزة، الى دعم حكم المالكى الذى لم يخف يوما توجهاته الطائفية المقيتة . الفيصل يعنى ما قاله جيدا، لكن ايران لا تريد ان تسمع منه ذلك وفى هذا التوقيت بالذات بعد مناورات عسكرية ضخمة للجيش السعودى استعرض فيها أسلحة تظهر للعلن لأول مرة، وما أعقبها من تعيين عسكرى سابق محترف وصل الى منصب قائد القوات البرية فى الجيش السعودى برتبة فريق فى منصب جديد هو الثانى فى وزارة الدفاع السعودية. وهو الامير خالد بن بندر وماذا تعنى هذه الخطوة من مدلولات ورسائل، مفادها أن الجهوزية العسكرية السعودية فى قمة استعدادها لأى طارئ قد يفرض عليها . حاولت ايران وستحاول التقليل من مصداقية هذه الدعوة، وفى نفس الوقت تسعى عبر وسائل إعلامها العربية لإظهار هذه الدعوة بأنها اعتراف المهزوم، وحقيقة ان ما يجرى على الارض هو العكس تماماً مما تسعى ايران لإظهاره عبر أذرعها الاعلامية العربية، فقد اصبح نظام بشار مرغما يفاوض الجيش السورى الحر ويتبادل معه الأسرى ، ولم يعد حزب «الله» فى لبنان بذات القوة العسكرية التى كان عليها عام 2008 حين احتل بيروت لأيام، وتقليم أظافر ابنها فى العراق نورى المالكي. وأصبحت تتأكد يوما بعد يوم من تداعى أحلامها فى المنطقة وتصرخ وتبالغ فى تصريحاتها لإيهام الغرب (5+1) بنفوذها وتحقيق بعض فتات المكاسب على طاولة المفاوضات حول ملفها النووي، وفى اعتقادى انها لن تحقق حتى الفتات لكلا الطرفين . وأكاد أجزم أيضا أن عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى سيكون «بشرة خير» فى المنطقة العربية، لاستعادة ميزان القوى. ومن يتعمق فى مدلولات عبارة الرئيس السيسى الشهيرة فى حواراته المتلفزة التى سبقت الانتخابات الرئاسية «مسافة السكة» لا يستطيع الا ان يقرأها فى سياقها السياسى بان منطقة الخليج العربى فى نطاق امن مصر القومي، وهذا ما تحتاجه دول الخليج من شقيقتها الكبرى مصر . كاتب سعودى لمزيد من مقالات محمد بن سعود الملفى