صدر بالأمس الكتاب المرتقب لهيلارى كلينتون بعنوان "خيارات صعبة". وهو الكتاب الذى تحكى فيه وزيرة خارجية الولاياتالمتحدة رقم 67 سنواتها الدبلوماسية ولقاءاتها مع زعماء العالم وتعاملها مع الملفات الساخنة للقضايا الدولية. فى هذا الكتاب وفى الصفحات الخاصة بمصر يتكرر من جديد ذكر موقف هيلارى من الاطاحة بحسنى مبارك وكيف أنها كانت تفضل "الانتقال المنتظم" للسلطة تخوفا من تبعات الفراغ الذى سيخلق فى مصر. وفى هذا اختلفت كلينتون مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما والفريق الشاب معه فى مجلس الأمن القومي. كما تشرح كلينتون فى الكتاب ولأول مرة المخاوف التى ساورتها وهى تترقب قدوم الاخوان المسلمين وتفاصيل عن لقاءاتها مع محمد مرسى الرئيس المعزول خاصة عندما تفاوضت من خلاله بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار ما بين إسرائيل وحماس. هيلارى كلينتون فى كتابها الجديد (656 صفحة) لم تدخل فى الجدل التى أثير فى واشنطن حول "ثورة 30 يونيو" وما حدث بعدها.واكتفت بكتابة التالى فى صفحة 349 : "فى يوليو 2013 ومع تظاهر الملايين من المصريين من جديد فى الشوارع وهذه المرة ضد تجاوزات حكومة مرسي.. تدخل الجيش للمرة الثانية تحت قيادة من خلف طنطاوى وهو الجنرال عبد الفتاح السيسي. وقاموا بخلع مرسى وبدأوا فى حملة عنيفة جديدة على الاخوان المسلمين" ثم تستكمل حديثها بالنسبة للوضع عام 2014 وتبدى تحفظها لما يمكن أن يتحقق فى المستقبل القريب فتقول:"آفاق الديمقراطية فى مصر لا تبدو مشرقة .السيسى يخوض الانتخابات الرئاسية فى مواجهة معارضة رمزية ويبدو أنه سيقوم باتباع القالب الكلاسيكى للحاكم القوى فى الشرق الأوسط. ويبدو أن الكثير من المصريين أنهكتهم الفوضى وهم على استعداد للعودة الى الاستقرار" هكذا قالت هيلاري. وبما أنها كررت القول على امتداد صفحات الكتاب بضرورة وأهمية العمل المتواصل والمستمر من أجل بناء واقامة ديمقراطية فى العالم العربى تكتب هيلارى كلينتون:"فى النهاية الاختبار بالنسبة لمصر ودول أخرى على امتداد الشرق الأوسط سيكون عما اذا كانوا سيقومون باقامة مؤسسات ديمقراطية ذات مصداقية ستستطيع أن تدعم حقوق كل مواطن مع توفير الأمن والاستقرار فى مواجهة أعداء قدامى عبر الانقسامات العقائدية والعرقية والاقتصادية والجغرافية. وهذا الأمر لن يكون سهلا، مثلما أوضح التاريخ الحديث، ولكن البديل هو مشاهدة المنطقة تواصل غرقها فى الرمال" ويذكر فى هذا الصدد أن كلينتون استخدمت تعبير "الغرق فى الرمال" لأول مرة فى مؤتمر بالدوحة عقد فى 13 يناير 2011. فى هذا الكتاب تحدثت هيلارى عن صدمتها مما سمعته من مرسى يوما ما اذ تكتب :"فى أحد لقاءاتى الأولى مع الرئيس المصرى الجديد محمد مرسى سألته "ماذا ستفعل لكى تمنع القاعدة ومتطرفين آخرين من زعزعة استقرار مصر وتحديدا سيناء؟ فكانت اجابته: " لماذا سيفعلون ذلك؟ نحن لدينا الآن حكومة اسلامية" وترى هيلارى ان اجابته محيرة "واذا كان يتوقع تضامنا من الارهابيين فهو اما كان ساذج جدا أو شرير مخيفا" فتبين له هيلارى "لا يهمنى ما هى مواقفك. انهم سوف يطاردونك. وأنت عليك أن تحمى بلدك وحكومتك". وبالتأكيد هذه اللقطة من هيلارى عن مرسى سوف تثير الكثير من التساؤلات والانتقادات حول ما كان يجرى فى مصر فى عهد الاخوان. وفى موضع آخر من الكتاب تتحدث هيلارى كلينتون عن مرسى كسياسى : "مرسى كان سياسيا غير عاديا.والتاريخ أخذه من الغرفة الخلفية للكرسى الكبير". ثم تشير الى صعوبة الأمور وتعقيداتها فتذكر أن مرسى كان "يحاول أن يتعلم كيف يحكم من اللاشئ وفى محيط صعب للغاية. وأن مرسى بالتأكيد عشق سلطة موقعه الجديد وأنه شارك فى رقصة السياسة ( حتى استهلكته فيما بعد)." وتضيف: " لقد ارتحت أن أرى ذلك فى حالة غزة على الأقل. يبدو أنه كان مهتما أن يكون صانعا لصفقة أكثر من أن يكون غوغائيا. وقد التقينا فى مكتبه مع مجموعة صغيرة من مستشاريه وبدأنا نمر سطرا وراء سطر عبر مضمون الوثيقة التى أتيت بها من رئيس الوزراء الاسرائيلي" (بنيامين نيتانياهو). كما أن هيلارى فى كتابها (وفى صفحة 484) تذكر: "أنا شجعت مرسى أن يفكر حول دور مصر الاستراتيجى فى المنطقة ودوره هو فى التاريخ. وهو يتحدث الانجليزية بشكل جيد وهو الحاصل على الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا فى علوم المواد فى عام 1982 وقام بالتدريس فى جامعة كاليفورنيا بنورثريدج حتى عام 1985. وقد قام بالتدقيق فى كل عبارة وردت فى نص الاتفاق. "ماذا يعنى هذا؟ وهل تم ترجمة هذه العبارة بطريقة صحيحة؟" كان يسأل. وفى لحظة ما صرخ "أنا لا أقبل هذا" فكان رد كلينتون:"لكنك اقترحته فى واحدة من المسودات المبكرة"، وعندئذ جاء رد مرسى موافقا "أووه هل فعلنا ذلك؟ أو كي" . كما أنه فى لحظة ما من المفاوضات نقض مرسى وزير الخارجية محمد كامل عمرو وتقدم بتنازل رئيسي". وتذكر هيلارى أيضا أنه مع اتمام الصفقة ما بين اسرائيل وحماس ونجاح الجهود المبذولة عبر القاهرة عمت الفرحة لدى الجميع و"سجد عصام الحداد مستشار الرئيس مرسى للأمن القومى على ركبتيه وشكر الله" هيلارى كلينتون ذكرت فى كتابها أن أوباما كان يريد بالنسبة لمصر فى بداية ثورة 25 يناير طريقا نحو الديمقراطية الا أنه كان يتخوف أيضا من فوضى الانهيار المفاجئ للنظام. وحرصت كلينتون على أن تشير أكثر من مرة الى أن المظاهرات والحشود فى ميدان التحرير مهما كان حجمها كانت غالبا دون قيادات وفى المقابل كان الاخوان يمثلون التنظيم والعمل بقيادة. وقالت أيضا فى الكتاب:"كنت أعرف أن مبارك بقى طويلا جدا وصنع قليلا جدا. ولكن ما بعد التخلص منه فان الناس فى التحرير يبدو أنهم لم تكن لديهم خطة. ونحن الذين فضلنا موقف "الانتقال المنظم" كان لدينا قلق بأن القوى المنظمة فقط ما بعد مبارك كانتا الاخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية".وتطرقت أيضا لاجتماعها مع القيادات القبطية خلال احدى زيارتها لمصر: "فى اجتماعنا قلت للقيادات القبطية إن الولاياتالمتحدة سوف تقف بحزم على جانب حرية العقيدة. كل المواطنين يجب أن يكون لهم الحق فى أن يعيشوا ويعملوا ويمارسوا العبادة كيفما يختارون سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين أم من أى خلفية أخرى. ولا جماعة أو مجموعة يجب أن تفرض سلطتها وأيدولوجيتها ودينها على أى شخص آخر. وأن أمريكا كانت مستعدة للعمل مع القيادات التى اختارها الشعب المصري. ولكن انخراطنا مع تلك القيادات ستكون مبنية على التزامهم بحقوق الانسان والمبادئ الديمقراطية العالمية" وتوقفت هيلارى أيضا أمام حكم الاخوان وماذا حدث فى مصرفى أيامهم فقالت: "مع الأسف فان الشهور والسنوات التى تلت أثبتت أن مخاوفى المبكرة حول مصاعب الانتقالات الديمقراطية كانت مبنية على أسس. فالاخوان المسلمون وحدت سلطتها ولكنها فشلت فى الحكم بشكل شفاف وشامل للكل. والرئيس مرسى تصادم كثيرا مع السلطة القضائية وسعى لتهميش معارضيه السياسيين بدلا من اقامة توافق وطنى واسع. كما أنه فعل القليل لتحسين الاقتصاد وسمح باستمرار اضطهاد الأقليات ومنهم الأقباط المسيحيين. لكن مرسى فاجأ بعض المشككين فى التمسك باتفاقية السلام مع اسرائيل وفى مساعدتى بأن أتفاوض حول وقف لاطلاق النار فى غزة فى نوفمبر 2012. ومرة أخرى واجهت الولاياتالمتحدة معضلتنا الكلاسيكية : هل يجب أن نتعامل مع زعيم نختلف معه حول كثير من الأمور باسم دفع المصالح الأمنية الأساسية؟ نحن عدنا للسير على الحبل المعلق ونحن نؤدى حركات لحفظ التوازن دون اجابات سهلة أو خيارات حسنة" والكتاب يضم ستة أجزاء. والجزء الخامس منه ( 190 صفحة) يتحدث عن الشرق الأوسط ويضم فصولا عن عملية السلام والربيع العربى وليبيا وبنغازى وايران وسوريا وغزة. وفى هذه الفصول نجد حكايات هيلارى ومواقفها وذكرياتها. وعن اختيارها لاسم الكتاب قالت هيلاري: "كلنا نواجه خيارات صعبة فى حياتنا. والحياة هى حول عمل مثل هذه الخيارات. إن خياراتنا وكيفية تعاملنا معها تشكلان ما سنكون فى المستقبل".