تحقيق - وفاء البرادعي: كان من المفترض أن يقود قطاع المشروعات الكبري في الاراضي الجديدة, عملية تحديث الزراعة المصرية مصحوبا بعمليات التصنيع الزراعي وتصدير المنتجات الزراعية والغذائية المصنعة برغم مرور أكثر من عشر سنوات علي هذا القطاع, وما أتيح له من مقومات الا ان الاستثمارات التي تم ضخها اتسمت بالتواضع الشديد فضلا عن ما يتم اتباعه من أنماط انتاجية تقليدية منخفضة القيمة والجودة لا تتناسب مع الامكانات التنموية لهذه المشروعات في حين تشتمل الأراضي الجديدة( كمنطقتي توشكي وشرق العوينات740.000 فدانا) علي فرص متميزة لتنفيذ مشروعات للتصنيع الزراعي للتصدير, وذلك في ضوء ما تتميز به هاتان المنطقتان من ظروف بيئية وامكانات واسعة في مجال الزراعة النظيفة وبمواصفات تتوافق مع المتطلبات الحالية للاسواق. يقول الدكتور جمال صيام استاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة القاهرة ان البداية الصحيحة لتشجيع الاستثمار في الأراضي الجديدة تتمثل في وضع سياسة واضحة ومحددة لهذة الاراضي تبرز الأهداف وطرق التصرف والتوزيع وأنماط الاستغلال من خلال خريطة استثمارية مع تبسيط إجراءات تخصيص هذة الأراضي للمستثمرين, وفض التداخل في الاختصاصات بين الجهات المسئولة عن إدارة هذة الأراضي الي جانب مراجعة مصادر واستخدامات المياه مع إلزام المستثمرين في الاراضي المخصصة للمشروعات الكبري بتصنيع انتاجهم الزراعي بما يحقق زيادة في القيمة المضافة والتشغيل ورفع انتاجية المياه. ويضاف إلي ذلك فإن تعدد الجهات التي تقوم بالتصرف في الأراضي الصحراوية ذات الغرض الواحد للاستصلاح مع اختلاف الشروط وقواعد التصرف في كل جهة يؤدي إلي وجود اختلافات جوهرية في الأسعار وأسلوب التصرف وطريقة السداد برغم أنه تم إعداد خريطة استثمارية لتوحيد جهة التعامل إلا أن تلك الجهات مازالت تتجاهل التعامل بهذة الخريطة. تضارب الاختصاصات ويقول الدكتور صيام إن الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي هي الجهة المنوط بها تقنين الأراضي الجديدة الا ان هناك لجنة وزارية مكونة من ست وزرات يجري التعامل معها باعتبارها الجهة العليا الوحيدة المختصة بهذا الشأن ولا تنعقد هذة اللجنة إلا علي فترات متباعدة. ومن ناحية أخري فإن وزارة الموارد المائية والري تتحكم في تصاريح آبار المياه الجوفية التي تعتبر العنصر الاساسي بالنسبة للاستثمار في الأراضي الصحراوية, كما لا يوجد حتي الآن قانون ينظم استخدام المياه الجوفية وفي غيبة هذا القانون يتم سحب المياه بمعدلات عالية مما ادي إلي زيادة الملوحة في هذة الاراضي مع التدهور السريع في نوعيتها الامر الذي ترتب عليه تراجع الاستثمارات في الأراضي الجديدة ثروة مصر المستقبلية ووقوعها فريسة بين اطماع المتاجرين بالأراضي من جهة والتخبط الإداري والمؤسسي وضعف السياسات من جهة أخري وهو الأمر الذي سيؤثر سلبا علي فرص الاستثمار بالأراضي الصحراوية في المستقبل. اذ تبلغ مساحة الأراضي الجديدة في مجملها5.5 مليون فدان تشمل2.1 مليون فدان تم استصلاحها واستزراعها خلال الفترة82 1997 وهذه الأراضي تم تقنينها واستقرت حيازاتها إلي حد كبير أما المساحة الباقية3.4 مليون فدان فيجري استصلاحها خلال الفترة97 2017, حيث تم استصلاح حوالي2 مليون فدان حتي الآن ومن المخطط أن يتم استصلاح المساحة الباقية1.4 مليون فدان حتي عام.2017 ومما يزيد المشكلة تعقيدا أنه لا توجد حتي الان سياسات واضحة ومعلنة تحسم التعامل مع كل هذه الجوانب وحتي الآن لم يتم تقنين إلا مساحة0.7 مليون فدان تمثل20% فقط من جملة المساحة أو35% من المساحة التي تم استصلاحها فضلا عن أن مساحة الأراضي المستصلحة تناقصت من نحو57 ألف فدان في1996/95 إلي نحو2.1 ألف فدان في2009/2008 وبمعدل تناقص سنوي بلغ نحو21.7% سنويا. كما يواجه المستثمرون عراقيل إدارية جمة في سبيل تقنين أوضاعهم, خاصة في ظل تعقيدات وضع اليد وتردي الأوضاع الأمنية فضلا عن سيطرة بعض الجهات الرسمية علي مساحات واسعة من الأراضي مع اقتطاع مساحات أخري علي نطاق واسع بأسعار رمزية تصل الي حوالي(2000 جنيه للفدان) ولمصلحة عدد قليل من الأفراد وشركات القطاع الخاص الذين قاموا بتحويل هذه المساحات الواسعة( بما في باطنها من مياه جوفية) من النطاق الزراعي إلي استخدامات أخري غير زراعية( سكنية وسياحية وترفيهية), للاستفادة بما يتحقق من أرباح طائلة تقدر بمليارات الجنيهات. عشوائية استخدام المياه يقول الدكتور جمال صيام ان سياسات استخدامات المياه في الأراضي الجديدة لاترتبط فقط بموارد المياه الجوفية ولكنها ترتبط ايضا بما يتم تحويله إليها من الموارد المائية النيلية, فإذا كانت الميزانية المائية المستخدمة في الزراعة حاليا نحو56 مليار متر مكعب فإن ما سيتم استصلاحه من أراضي حتي2017(1.4 مليون فدان) يتطلب كميات إضافية من المياه تقدر بنحو10 مليارات متر مكعب. وفي حالة عدم تحقيق ما كان مخططا له من الزيادة في عرض الموارد المائية المصرية لمواجهة الزيادة في الطلب فهذا يعني ان الاستمرار في برنامج الاستصلاح الزراعي في الاراضي الجديدة يستوجب معه سحب الكميات الاضافية من المياه وذلك خصما من الحصة المائية المخصصة للأراضي القديمة, الأمر الذي ينطوي علي آثار مدمرة بعيدة المدي علي الإنتاج الزراعي والمزارعين في الوادي القديم بل سوف يؤدي أيضا إلي إهدار شطر كبير من الموارد المائية بشكل يجعل استغلال المياه في مصر في وضع شديد الخطورة علي الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.