منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية منظمة دولية شعبية غير حكومية تأسست عام 1958 كامتداد شعبى لمؤتمر باندونج وحركة عدم الإنحياز وتضم لجانا وطنية بأكثر من 90 دولة فى أفريقيا وآسيا بالإضافة للأعضاء المنتسبين فى كل من أوروبا وأمريكا اللاتينية. وفى هذا الحوار ل «الأهرام» أفصح الدكتور حلمى الحديدى رئيس منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية، ورئيس اللجنة المصرية للتضامن، (وهو أستاذ جامعى وطبيب، ووزير الصحة الأسبق) عن رؤيته الخاصة لمصر ما بعد يونيو 2014، كما ناقش حال المنظمة فى ظل عالم متغير يتحول إلى التعددية القطبية. ماهى رؤيتكم لدور منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية فى السابق، ومايتوقع أن يكون عليه هذا الدور فى المرحلة القادمة؟ المنظمة تلعب دورها من خلال الشعوب واللجان الوطنية فى كافة دول تجمع عدم الإنحياز. وكان هذا الدور كبيرا جدا فى الستينيات وحتى السبعينيات. فقد احتضنت كافة الثورات الأفريقية وساهمت فيها وساعدت عليها وإستضافت زعماءها. وفى ذلك الزمن كان النظام الحاكم فى مصر يشجع على هذا فكان يتبنى الفكرة ويشجع المنظمة ويتبنى أفعالها. ولكن بعد ذلك تغيرت الأوضاع. فنالت معظم أو كل الدول الأفريقية إستقلالها من الإستعمار العسكرى وإستبدل بهذا الشكل القديم من الإستعمار إستعمار آخر على المستويين الإقتصادى والسياسى. وحدث فى مصر تغير فى المفاهيم حيث لم تعد أسيا وأفريقيا دولا يهتم بها النظام الحاكم خلال تلك الفترة وأصبح ينظر للولايات المتحدة والدول الغربية على أنها من يملك من مفاتيح الحل لمشاكلنا. وترددت مقولة أن "99% من مفاتيح الحل بيد أمريكا". وهذا الوضع أثر على المنظمة وعلى نشاطها. وهنا أود الإنتقال للحديث عن الوضع الحالى، لما يجره الحديث عن الماضى من خلافات كثيرة وقد لايفيد. ولهذا أفضل الحديث عن اليوم والمستقبل. وأبدأ بالقول أن المبادئ لا تتغير. فنحن نتبع مبادئ مؤتمر باندونج العشرة والتى تنص فى مجملها على عدم التدخل فى شئون الدول الأخرى. ومبدأ الحل السلمى لكافة المشاكل. والتعاون الإقتصادى و الثقافى والشعبى. وهى كلها مبادئ جميلة ظلت وستظل قائمة لاتتغير. ويكفى أن أقول اننا على سبيل المثال نحتفل الآن باليوبيل الذهبى للسد العالى الذى هو ثمرة للتعاون بين روسيا (الإتحاد السوفيتى السابق) ومصر. ولو كان هناك أكثر من مشروع بهذا القدر كثمار للتضامن لكنا قد أصبحنا فى وضع أفضل كثيرا مما نحن فيه. والدول الغربية بوجه عام والولايات المتحدة تحديدا لايرضيها العمل الذى نقوم به. وهو أمر طبيعى نظرا لعدم إيمانها بعدم الإنحياز، وهذا طبيعى لأنها لاتؤمن إلا بمصالحها وتحاول أن تنفذ مخططاتها فى منطقتنا والعالم. ومن هنا يمكن القول ان دور المنظمة يجب أن يتغير فكريا وعمليا وسياسيا. وقد بدأنا نتجه إلى الشعوب. فأسسنا إتحاد كتاب آسيا وأفريقيا منذ عامين، وتلاه فى العام الذى يليه إتحاد الإعلاميين الآسيوى الأفريقى، ومقرهما القاهرة. هدفنا هو الشعوب الوصول على الشعوب عن طريق المهن. ونحن بصدد إنشاء إتحاد الفنانين الأفرو آسيوى واتمنى أن يتم الإنتهاء من تلك الخطوة خلال العام الحالى. وبدأنا نفكر فى إجتذاب أفريقيا ودولها وفى إستعادة الدور المصرى والحب الذى كان يحمله الأفارقة لمصر والمصريين خلال عقد الستينيات من القرن الماضى. فقد بنيت مع المنظمة واللجنة فكرة تأسيس "جامعة حوض النيل" التى ينصب هدفها على تقديم العلوم الحديثة لأبناء دول حوض النيل، وستبدأ بكليات للطب وللهندسة والزراعة وإدارة الأعمال. وتبدأ عملها على أرض مصرية أفريقية لخدمة دول حوض النيل.وأتمنى أن يقام المشروع على أرض مصر فى جنوب الوادى مما يتيح تحقيق هدفين فى وقت واحد. فالجامعة ستخدم المنطقة المحيطة بها وترفع من مستوى المناطق المحيطة بها وتغير من مناخها ومن المجتمع وبالتالى ستستفيد مصر فى ذات الوقت الذى ستستفيد فيه دول حوض النيل. هل عرضتم المشروع على جهات محلية أو دولية؟ لدى مشروعان حتى الآن. الأول هو مشروع إنشاء الجامعة. أما الثانى فهو إنشاء "مجلس تعاون دول حوض النيل" لحل مشاكل دول الحوض ال 11 فيما بينهم وحتى لاتتكرر مأساة سد النهضة مثلا. وقد عرضت المشروعات على وزيرى الخارجية والتعليم العالى وأرسلته إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وساستمر فى الطرق على الأبواب حتى أحقق المشروع بإذن الله. هل لديكم مشروعات أخرى؟ كان ماسبق هو توجهنا الحالى من خلال التعليم ومن خلال الربط المهنى لكافة المهن وسيتبع الفنانين، القانونيين والإقتصاديين وغيرهم فى آسيا وأفريقيا. فأنت إذا ربطت كافة المهن المختلفة فسترتبط الشعوب بقوة وبفهم وبعقلانية وهذا هو أسلوب عملنا فى الفترة القادمة. والمشروع الثالث يتعلق بالإتحادات المهنية المختلفة. فبعد موت إتحاد الكتاب القديم بدأنا بإتحاد الكتاب الجديد، والأمين العام للإتحاد الجديد الحالى هو محمد سلماوى. وإتحاد الإعلاميين أقمناه فى العام الماضى وأمينته العامة سكينة فؤاد، وفى العام الحالى نشرع فى إقامة إتحاد الفنانين، ويتبعه إتحاد القانونيين ثم الإقتصاديين. وسنسير فى هذا الإتجاه الذى يجمع المهنيين فى آسيا وأفريقيا وهو ما اعده مشروع كبير جدا ينفذ سنويا خطوة بخطوة. ولاشك أن مشروع الجامعة قد يستغرق وقتا لإتمامه ولكن أعتقد أنه مشروع مكمل للسد العالى فهو الرمز الكبير الذى أسعى لتحقيقه حتى يتم الربط العلمى والطلابى والشبابى مع أفريقيا. هل هناك رؤية حالية للمنظمة فيما يتعلق بالعمل فى عالم يتحول إلى عالم متعدد الأقطاب؟ نحن فى المنظمة أو فى اللجنة وحتى على المستوى الشخصى نحاول أن نتوجه شرقا الى آسيا. ففى تقديرى أننا لابد أن نكون على علاقة جيدة جدا بدول مثل الصين واليابان ودول شرق ووسط آسيا والهند وباكستان وكذلك دول أفريقيا أيضا. ففى الغرب يعتقدون فى مقولة "الغرب ثم بقية العالم" ونحن نهتم ب"ببقية العالم" والمقصود بها كل ما هو ليس بغربى مثل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وأنا سعيد جدا بأن السياسة المصرية بدأت تتوجه وتنفتح شرقا. فالصين معنا لها دور جيد جدا واليابان معنا. وأذكر أنه فى إحدى ندوات اللجنة جلس السفراء الروسى والصينى واليابانى الى جوار بعضهم البعض على نفس المنصة ونحن نتحدث عن الإنفتاح شرقا. وأرى أن علينا إيجاد علاقات متوازنة ليس مع الحكومات فقط ولكن مع الشعوب أيضا. فلابد أن ننفتح على ثقافاتهم ومجتمعاتهم وسياساتهم وفنيا وغيرها. المنظمة والربيع العربى فى مرحلة ما بعد "الربيع العربى" الذى تحول إلى "خريف عربى" رأينا كيف تحول العالم وكيف تحاول الدول الكبرى أن تؤثر على شعوب الدول الأخرى وأن تحركها وفقا لما يخدم مصالح الدول الكبرى. فما هو رأيكم؟ أنا أنظر إلى الأمر من زاوية أخرى. فتلك الدول لاتحرك الشعوب وإنما تضرب على وتر الخلافات التى توجد بين الشعوب المختلفة وعلى نقاط الخلاف التى توجد داخل شعب من الشعوب سواء كانت دينية، إثنية، عرقية، إقتصادية. وهم يقومون باللعب عى هذا الوتر لتقسيم وتفتيت هذا الشعب حتى لا يصبح قوة. وهذا هو المخطط الكبير الذى يسعى الغرب إلى تنفيذه فى منطقتنا العربية، بما يؤدى إلى حروب داخلية يبيعون فيها سلاحهم وفى نفس الوقت يصلون فيه إلى أهدافهم من تفتيت لهذه الدول. وهذا ما شهدناه فى سوريا واليمن وليبيا وتونس والعراق ومصر. وهذا هو أسلوبهم الجديد باللعب على أسباب التفرقة التى قد تكون نائمة. وماهو دور المنظمة حيال التوجه الجديد؟ دور المنظمة موجود ومستمر ولكن إستخدام هذا الدور وتوظيفه هو الذى يحدث الفارق. فقد عانينا من عدم إستعانة الدول بالمنظمة فى تحقيق الأهداف القومية. وتركنا أفريقيا فعبثت فيها إسرائيل والقوى الأخرى. فقد آمنت الدول بأن كافة الحلول فى يد الدول العظمى. هل تعنى أن العالم الثالث سلم أوراقه للدول العظمى؟ العالم الثالث لم يسلم أوراقه فقط بل إستسلم لإرادة الدول العظمى فى إضعافه والتحكم فى إقتصاده وآرائه السياسية وإستغلال موارده الطبيعية والبشرية أيضا. والخلاصة هى أن القدرات الكامنة إذا لم تستعمل تموت. ونحن نعمل بكل طاقتنا فى حدود إمكانات قاصرة إلى أبعد الحدود. فالدول بشكل عام عليها أن تدفع إشتراكات ولكنها تتجاهل الأمر وتتهرب من الدفع، وبالتالى نعتمد على الدعم المصرى الهزيل وهو ما يدفعنا إلى التوجه لرجال الأعمال أحيانا لدعم أنشطة المنظمة. فعلى سبيل المثال تم الإعتماد على الجهود الذاتية فى دعم مؤتمر الإعلام ومؤتمر الكتاب من خلال مساهمات أناس لها قصص ولها تاريخ. وأرى أن الدول، سواء كانت مصر أو من آسيا وأفريقيا، عليها أن تدعم المنظمة للإفادة من إتصالاتها فيما لايتجاوز ولايتعارض مع المبادئ العامة للمنظمة. فدولة مثل فلسطين نجد أنها دفعت إشتراكاتها والسودان أيضا ولكن الصين عضو مراقب منذ الستينيات وروسيا التى كانت تدعم المنظمة قلصت من دعمها عقب إنهيار الإتحاد السوفيتى على الرغم من الإهتمام الذى تبديه بأنشطة المنظمة. وباقى الدول أغلبها يدعى الفقر بما فيها فيتنام وسريلانكا والهند. وعلى الرغم من أن إشتراك اللجنة من أى دولة لايتجاوز 5 ألاف دولار سنويا فإننا تجد الغالبية العظمى من اللجان تدعى الفقر ولاتدفع. هل تعتقد أن تلك الظروف الصعبة تعد مردودا لإنهزام حركة عدم الإنحياز؟ لا أرغب فى أن أحول الأمر إلى هزيمة ونصر. فالكفاح يتسم بالإستمرار فهو يسير فى موجات، موجة تعلو موجة، ولكنه لايصل إلى القاع أبدا. ما هى رؤية المنظمة حيال ضم أمريكا اللاتينية؟ لقد ناقشنا الأمر بالفعل فى قمة سابقة وقررنا محاولة ضم أمريكا اللاتينية إلى منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية لتتحول المنظمة إلى منظمة للجنوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. فتعاون الجنوب هو مانريده ومانسعى إليه وفى الفترة القادمة سأركز جهدى على ضم من يشاء من دول أمريكا اللاتينية إلينا خاصة وأن المعركة واحدة والهدف واحد والمتاعب واحدة. مصر ما بعد يونيو 2014 ما هى رؤيتكم لما يمكن أن تكون عليه مصر مابعد يونيو 2014؟ لقد قمنا فى مصر بثورتين وأزحنا رئيسين ولنا أهداف وطموحات لم تتحقق وليس فى المنظور تحقيقها فى المستقبل القريب. فالذين يدعون إمكانية وصولنا إلى أهدافنا فى عام أو عامين أو شهور كما قال الرئيس الأسبق(محمد مرسى) هو كلام لا أعتقد فى صحته. فسنحتاج إلى وقت وجهد وعمل دؤوب ومتصل وقيادة وطنية قادرة على لم الشمل وتوحيد الصف حول مشروعات وطنية كبيرة تجمع الناس ولاتفرقها، وتزيل الخلافات ولاتؤججها، وتمنع الشرذمة التى تسود وتوحد الصف وهذا الذى يجب أن يكون، وأرغب أن يكون. إن مصر بلد لها تاريخ طويل، ومكانة كانت عظيمة، ولها تأثير فعال فى منطقتها وفى العالم ونحن نسعى إلى «إستعادة» كل هذا. ولايمكن أن يستعاد هذا الأمر إلا بشيئين هما: «شعب موحد وقيادة وطنية صادقة». وأن نؤمن جميعا بالوطن. وعلينا أن نبدأ، فكما يقول المثل الصينى الشهير «كافة الطرق، الطويل منها والقصير، تبدأ بخطوة واحدة».