أصدر الرئيس عدلى منصور منذ أيام قرارا جمهوريا بتعديل قانون غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب. وأعلن المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية أن التعديلات ستسهم فى وفاء مصر بالالتزامات التى فرضتها الاتفاقيات الدولية، وتحسين فاعلية معايير المكافحة بما يحقق المصلحة الوطنية العليا، وبما يرفع من التصنيف الدولى لمصر فى مجال مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب. ومع كامل تقديرنا لأهمية رفع تقييم مصر دوليا فى مجال ملاحقة الأموال الفاسدة ومكافحة تمويل الإرهاب فإن من حقنا أن نتساءل عن مدى ما يحققه ذلك لنا من قدرة على كشف وملاحقة أموال الشعب المصرى المنهوبة. فتجدر الإشارة إلى أن قانون مكافحة غسل الأموال هو القانون المعنى بتتبع وتجريم أى محاولات لإضفاء المشروعية على الإيرادات الناتجة عن الفساد والجريمة المنظمة ، بما يمكن من اتخاذ الإجراءات القانونية التى تكفل مصادرة تلك الأموال. وبمقتضى ذلك القانون تم فى عام 2003 إنشاء "وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب" بالبنك المركزى المصرى كى تتولى القيام بالتحريات المالية وتلقى الإخطارات عن العمليات المالية المشبوهة، وإلزام المؤسسات المخاطبة بالقانون بتطبيق الضوابط والمعايير الدولية المتعارف عليها فى هذا الشأن، وعلى رأسها إجراءات التعرف على الهوية الحقيقية للعملاء، والاحتفاظ بالمستندات الخاصة بالمعاملات لمدة لاتقل عادة عن خمس سنوات، والالتزام بالإخطار عن جميع العمليات التى يشتبه فيها بغض النظر عن قيمتها المالية وحتى لو كانت مجرد محاولة. وتمثل البنوك عادة المحطة الأولى لإيداع الأموال غير المشروعة بأسماء أشخاص آخرين كى يتم تحويلها إلى مؤسسات وبلدان أخرى و توظيفها فى مجالات مشروعة، مثل العقارات والفنادق، المجوهرات، اللوحات والقطع الفنية، شراء الشركات المتعثرة، الشركات المطروحة للخصخصة، الأسهم والسندات وغيرها من الأوراق المالية، بحيث تظهر الأموال الناتجة عن الفساد والجريمة فى النهاية فى شكل استثمارات ومشاريع مالية بعيدة عن الشبهات وقادرة على الحركة بحرية فى أسواق المال العالمية المختلفة والعودة مع عائداتها لمالكها الأصلي. ويلاحظ أن التعديلات الجديدة قد وسعت من نطاق المؤسسات المخاطبة بالقانون، فبالإضافة إلى المؤسسات المالية بكافة أنواعها أضافت التعديلات الجديدة سماسرة العقارات وتجار المعادن النفيسة والمحامين والمحاسبين وأندية القمار. ومن ناحية أخرى دعمت تلك التعديلات سلطات وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بحيث أصبح لها الحق فى فرض عقوبات على المؤسسات المالية وأصحاب المهن والأعمال التى لا تلتزم بأحكام القانون وما يتعلق به من ضوابط ، بدءا بتوجيه التنبيه وانتهاء بطلب إلغاء ترخيص العمل للجهة المخالفة من جانب السلطات المعنية. ويشير أداء وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب منذ إنشائها إلى أنها قد حرصت على توفير مؤشرات إرشادية للمؤسسات المالية المختلفة، للتعرف على العمليات المشبوهة، سواء تعلق الأمر بالعمليات المصرفية المعتادة، أو بالتحويلات والتبرعات للجهات التى لا تهدف إلى الربح والجمعيات الدينية والخيرية، أو بالعملاء والمناطق الجغرافية عالية المخاطر. ولعل من أهم ما نصت عليه تلك الإرشادات ما يتعلق بالأشخاص ذوى المخاطر المرتفعة بحكم مناصبهم. وتشمل هذه الفئة رؤساء الدول والحكومات، كبار السياسيين، كبار مسئولى الحكومة، المسئولين العسكريين، المسئولين فى الجهات القضائية، كبار المسئولين التنفيذيين بالشركات المملوكة للدولة، والمسئولين البارزين بالأحزاب السياسية. وتتمثل أهم الضوابط التى يتعين على المؤسسات المالية اتباعها عند التعامل مع هذه الفئة من العملاء فى الحصول على المعلومات الكافية للتعرف على مصدر ثرواتهم وأموالهم، ووضع أسماء هؤلاء العملاء فى قائمة خاصة يحتفظ بها لدى البنك ومراعاة تحديثها أولا بأول، ومتابعة حسابات تلك الفئة من العملاء بصورة مستمرة من خلال تقارير دورية لمتابعة النشاط على حساباتهم. وهنا لابد أن يتساءل المرء، إذا كانت تلك هى القواعد التى تلتزم بها المؤسسات المالية فى التعامل مع القيادات السياسية وكبار مسئولى الدولة، فلماذا إذن لم يكتشف تضخم ثروات القيادات الفاسدة على مر العقود الماضية ولماذا لم يتم تتبع الحركة على حساباتهم وتحويلاتهم وقروضهم والاعتمادات المستندية لوارداتهم؟ وتزداد الدهشة إذا علمنا أن البنك الدولى قد أصدر فى نهاية عام 2008 تقريرا عن نظم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب فى بعض دول العالم ومن بينها مصر، وأن هذا التقرير قد أشاد بكفاءة النظم التى تتبعها مصر فى هذا الشأن، بحيث جاء تقييمها فى مقدمة الدول العربية التى تضمنها التقرير! فما هو بالتحديد مدلول تلك الكفاءة إذا كانت قد وقفت عاجزة عن كشف وتتبع فساد نظام بلغ حدا ألهب الثورة وخرج الملايين فى الشوارع لإسقاطه؟ ثم إذا كانت تلك المنظومة التى يشهد لها بالكفاءة تستحوذ بالضرورة على قاعدة بيانات لمدة لا تقل عن خمس سنوات فيما يتعلق بكل حساب وكل حركة وكل عملية تخص رموز وقيادات النظام الفاسد، فما الذى يحول دون فتح تلك الملفات وتتبع أموال الشعب المنهوبة؟ وإذا كانت منظومة مكافحة غسل الأموال فى المراكز المالية العالمية توفر قاعدة البيانات اللازمة لتتبع الجرائم المالية العابرة للحدود، أليس غريبا ألا تجد تلك المنظومة، على مدى سنوات طويلة، ما يدعو للريبة فى حسابات قيادات النظام السابق؟ وأليس غريبا ألا نتحرك حتى الآن لتفعيل تلك المنظومة لاستعادة أموالنا المنهوبة رغم كل اتفاقيات تبادل المعلومات بين وحدات التحريات المالية التى عقدناها مع الدول العربية والأجنبية؟ لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى