منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، بات الإعلام والإعلاميون موضع اهتمام كبير، وموضع جدل أيضا. فهناك لحظات فاصلة فى حياة الأوطان والشعوب يكون دور الإعلام فيها حاسما. وبقدر الوعى بأهمية الإعلام، صار هناك وعى مواز بخطورته. وأصبح الإعلام هنا بطلا ومتهما فى آن واحد ! ربما فى بدء ثورة 25 يناير، نال الإعلام تقدير واحترام الجماهير، إذ إنه استطاع أن يلعب دوراً مؤثراً كاشفاً عن الكثير من الحقائق وصور القمع والفساد والانتهاكات فى مواجهة تضليل الإعلام الرسمى، الذى دأب على تقديم السلطة بصورة إيجابية. الآن تعلو نبرات السخط والامتعاض من الإعلام، وتتنوع الحجج، يبرز البعض تدنى لغة الحوار والسوقية فى التعبير، بينما يبرز البعض الآخر الإسراف فى توجيه اتهامات التخوين والعمالة بلا دليل، وآخرون يستنكرون نبرة التعليم والنصح التى ينسبها بعض الإعلاميين لأنفسهم. هذا التراوح بين الرضا والسخط على الإعلام ليس ظاهرة مصرية، بل هو موجود تقريباً فى كل المجتمعات ولكن ربما بصورة أخف وأكثر هدوءا. الآن، بعد اشتعال ثورات الشعوب، وزيادة وعى الناس بحقوقهم، لم يعد من السهل العودة إلى العمل بأسلوب الإعلام الموجه القديم، لسببين: السبب الأول أنه قد أصبح متاحاً أمام الجماهير مصادر أخرى للمعرفة والمعلومات مثل القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت. السبب الثانى أن المواطن لم يعد متلقيا سلبيا ومستهلكا للخدمة الإعلامية، ولكنه صار منتجاً لها، فمواقع التواصل الاجتماعى صارت مجالا مفتوحا لإبداء الرأى أمام جميع المواطنين، يتداولون الآراء والمعلومات فيما بينهم دون وصاية أو رقابة. لماذا يكتسب الإعلام أهمية فى الحياة الحديثة؟ لأن إدارة الشئون الحديثة تقوم على الديمقراطية، والديمقراطية تعنى فى المقام الأول المشاركة، وهذا يتطلب بدوره المعرفة، والإعلام هو المصدر الأول والوسيلة الفعالة المتاحة للجماهير التى يمدها بهذه المعرفة. ومن هنا تحديدا يكتسب الإعلام أهمية، ومن هنا أيضا تأتى خطورة التضليل الإعلامى الذى يقدم أحيانا أكاذيب على أنها حقائق. هناك فى الحقيقة هموم أخرى بشأن الإعلام تتجاوز الشأن السياسى وترتبط بحياة الناس اليومية، ولعل أبرزها قضاء ساعات طويلة أمام شاشات التليفزيون، وعدم التواصل الحى بين الأفراد، والتحفيز على الاستهلاك الشره.. وإلخ. إن التحدى الذى يواجه الشعوب الآن هو كيفية الوصول إلى بلورة مجموعة من المعايير التى تضمن قيام الإعلام بدوره الإيجابى وتقديم الخدمة الضرورية للمواطن، دون أن يتحول إلى أداة فى يد أصحاب السلطة والمال للتلاعب بمشاعر وفكر الجماهير، وأظن أن تجارب الشعوب يمكن أن تلهمنا الكثير فى هذا المضمار. هل هذه الضوابط تتجلى فى ميثاق شرف إعلامى يكون الالتزام به نابعا من ضمير الإعلامى نفسه كالتزام أخلاقي؟ أم تكون هناك مجموعة من الضوابط الموضوعية والقانونية والتى تستدعى وجود هيئة للرقابة والمحاسبة؟ فى الإعلام كما فى غيره من المجالات، الحرية دائما مقترنة بالمسئولية.