إن الأحداث التى تدور الآن بين الفرقاء فى العالم العربي، تجعل العفو ضرورة من ضرورات الحياة حتى تستقيم الحياة وينشط الاقتصاد وتنمو الصادرات وتقل الواردات وتسير الأمة العربية نحو القيادة والريادة للعالم كما كان السلف الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن التشدد فى الفكر والعنف فى المواجهة يزيد الفرقة بين المواطنين، ولو تعلمنا كيف نسامح ونعفو ونصفح ونغفر لكان هذا سببا للرقى الأخلاقى والتقدم السلوكى فى تعاملات أبناء الوطن الواحد، ومن الخطأ أن يصر الإنسان على عناده ولا يرجع عنه إلى العفو ومن باب (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) الذاريات 55، فليس هناك إنسان شر محض بل علينا أن نبحث عن جوانب الخير وننميها وأبواب الشر ونغلقها لأن الشر متمثلا فى العصبية النسبية أو الجماعية (الفكر المتشدد) نتائجه سيئة على أمتنا الإسلامية والعربية فينبغى على المسلم إذا رأى خصلة واحدة من الخير فى أخيه المسلم ألا يفارقه فقد يصيبه من بركاته وجاء فى القرآن الكريم: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)الشورى 40 ولا بد من إصلاح ما أفسدته الثورات وما تبعها من أحداث تدمى القلب وتذكر أنك من قوم العفو شريعة لهم والصفح منهاج حياة يجعلنا أمة واحدة كما أرادها الله عز وجل وامتثالا لقول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) آل عمران 103 وإذا كنا جميعا نطمع فى عفو الله وكرمه فكيف لا يكون العفو والتسامح ونبذ العنف من أخلاق المسلم فالله سبحانه وتعالى يصور لنا مشهدا من مشاهد يوم القيامة يبين للعصاة من المؤمنين أن الله هو الرحمن وما دام الله هو الرحمن فلا ينبغى أن نقطع الأمل فى عفو الله الرحيم الرحمن يقول تعالى فى سورة طه (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) وكان سياق الكلام هنا وخشعت الأصوات للجبار لكنه عز وجل يصطفى من صفات الجمال والكمال ويختار الرحمن لأن وصف الرحمن يحقق الأمل فى عفو الله تعالى ورحمته لعصاة المؤمنين، واعلم أن الله الرحمن الرحيم هو العدل وهو الحق وأن الذى ينتصر لنملة لن يترك من يفجر ويدمر ويقتل الأبرياء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضى الله عنه وأخرجه البخارى ومسلم وغيرهما (قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ) انتصر لنملة لا تكاد ترى فكيف بالإنسان الذى كرمه وشرفه بنسبه إليه فقال تعالى (عبادي) فى اثنى عشر موضعا فى كتاب الله . إن العفو يحتاج إلى نيات مخلصة تراقب ربها وعقول متخصصة وقلوب سليمة فكن بالعفو محسنا وبالصفح الجميل مؤمنا وربك يقول (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (134) وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم :(أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَكْرَمِ أَخْلاَقِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟ تَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتُعْطِى مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ).السنن الكبرى للبيهقي. والمسلم الكيس الفطن ينبغى عليه أخذ العفو وحب الصفح وعشق الإحسان إلى كل إنسان وأن يتخلص من الكبرياء وحب الانتقام، ويوجه طاقته الإيمانية إلى مرضاة ربه لأن العمر محدود والعمل محسوب له أو عليه والأنفاس معدودة والخلود فى الدنيا للبشر محال، فلماذا الإصرار على الانتقام والتنكيل والتعصب والتمسك بعادات الجاهلية التى هدمها رسول الإسلام، وذكر هذه اللحظة التى سيتخلى عنك كل شيء ولا يبقى معك إلا العمل الصالح وقتها لا ينفع الندم وفى الحديث الذى رواه البخارى عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضى الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ)، وقد غلب العفو على الانتصار لقوله تعالي: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين) الشورى 40. فقضية العفو والصفح والإحسان تحتاج إلى صبر وكظم للغيظ وتجنب الغضب وربك يقول (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )الشورى 43تستطيع أن تسامح من أساء إليك وتتحلل من المظالم لما روى عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) رواه البخارى. لمزيد من مقالات الشيخ عبد العزيز النجار