على جانب «محطة الرمل»، أحد أشهر ميادين الإسكندرية، يقف مبنى القنصلية الإيطالية، ليكون مع غيره من المبانى التاريخية فى عروس البحر المتوسط شاهدا على العلاقات المتميزة لمئات السنين بين مصر وإيطاليا، التى كانت جاليتها فى مصر تحتل المركز الثانى من حيث العدد بعد الجالية اليونانية، قبيل الحرب العالمية الثانية. مبنى القنصلية الإيطالية بالإسكندرية، الذى بناه انريكو بوفيو، ليبدأ فى تقديم خدماته للجالية الإيطالية وللمصريين عام 1880، قبل سنوات من تبادل السفراء بين مصر وإيطاليا عام 1914، يعد أحد تحف العمارة الإيطالية فى الإسكندرية، بإطلالة مميزة من واجهته الرئيسية على شاطئ البحر المتوسط، كما يطل من الجهة المقابلة على خط الترام. المبنى لم يكن مجرد مقر للقنصلية الإيطالية فقط، بل كان مركز إشعاع للثقافة الإيطالية، وعرض للتاريخ الثقافى المشترك بين القاهرة وروما، حيث كانت تقام به المعارض الفنية، ومهرجانات اللغة الإيطالية، وغيرها من الفعاليات الثقافية. فالعلاقات بين مصر وإيطاليا، خصوصا التجارية منها تعود إلى العصور الوسطى، قبل توحيد إيطاليا، وحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات، تنامت هذه العلاقات وتشعبت إلى مجالات غير التجارة، مع بداية محمد على فى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر، حيث أرسل بعثات تعليمية إلى إيطاليا عامى 1809 و1813 لتعلم فن الطباعة وبناء السفن، كما استعان بالخبراء الإيطاليين لبناء دولة حديثة فى مصر، خصوصا فى مجالات البحث عن الآثار، والمعادن، وفى الدخول إلى السودان وتصميم مدينة الخرطوم، ورسم خريطة مسح لدلتا النيل. وتؤكد لغة الأرقام الأهمية التى حظى بها مبنى القنصلية الإيطالية فى الإسكندرية، حيث بلغ عدد أعضاء الجالية الإيطالية فى مصر قبيل الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) نحو 55 ألف شخص، وهو رقم كبير نسبيا مقارنة بعدد سكان مصر فى ذلك التاريخ، الذى كان أقل من 20 مليونا، وكانت غالبية الجالية الإيطالية تتركز فى القاهرةوالإسكندرية. لكن بعد 133 عاما على بداية تقديم القنصلية الإيطالية خدماتها من خلاله، توقف المبنى التاريخى عن هذه المهمة ويمكن القول إنه تمت إحالته للتقاعد مؤقتا، بعد قرار الحكومة الإيطالية بغلق قنصليتها فى الإسكندرية، وهو القرار الذى بدأ سريانه فى شهر ديسمبر الماضى، والذى سبق أن احتجت عليه الجالية الإيطالية فى الإسكندرية، كما نظم عدد من التجار والمصريين المتعاملين مع القنصلية وقفة للتعبير عن غضبهم من هذا القرار، الذى يعنى بالنسبة لهم مجهودا أكبر ووقتا أطول لتوثيق أوراق صفقاتهم مع الجانب الإيطالى، حيث سيضطرون إلى السفر للقاهرة لإنهاء هذه المعاملات، حيث كانت القنصلية الإيطالية فى الإسكندرية تخدم مواطنى محافظاتالإسكندرية ومرسى مطروح والبحيرة وكفر الشيخ والغربية والشرقية وبورسعيد والإسماعيلية وشمال سيناء والدقهلية ودمياط. وفى حين قال المحتجون إن القرار الإيطالى دفعت باتجاهه بعد ثورة 30 يونيو فى مصر مستشارة لوزير الخارجية الإيطالى من أصل مغاربى وتنتمى للتنظيم العالمى للإخوان ل"معاقبة المصريين" على حد قولهم، فإن السفير الإيطالى فى القاهرة ماوريتسيو ماسارى أكد أن غلق القنصلية جاء فى إطار خطة التقشف التى وضعتها الحكومة الإيطالية، وأنه جرى غلق 30 قنصلية إيطالية حول العالم توفيرا للنفقات. ويظل مبنى القنصلية الإيطالية فى الإسكندرية قابعا فى مكانه، انتظارا لقرار جديد للحكومة الإيطالية لاستغلاله، ليبدأ رحلة عطاء جديدة.